خلال الآونة الأخيرة، نسمع حالات كثيرة من العنف المنزلي، سواء كان جسدياً أو نفسياً. يمكن أن يُمارس هذا العنف بين الزوجين أو بين مختلف أفراد العائلة. وضحايا هذا التصرّف العدائي هنّ النساء والأطفال على حدّ سواء. ولكن لا يمكننا أن ننكر أنّ بعض الرجال يعانون أيضاً من العنف المنزلي، الذي يمكن أن يظهر من خلال المعاملة السيئة وتكرار الإهانات والعنف النفسي المتواصل الناتج من تهديد الزوجة. فلماذا العنف خلال هذه الإيام الصعبة؟ ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن لمختلف أفراد العائلة أن يتعاملوا مع العنف المنزلي؟
نعاني جميعنا في هذه الفترة العصيبة، خصوصاً مع إرتفاع عدد المصابين بالكورونا، من الشعور الدائم بالقلق والضغط النفسي. فالأسبوع الفائت، شعر جميع اللبنانيين بالكثير من الأمل بالتخلّص من هذا الفيروس، الذي ينتقل بشكل سريع بين الناس. ولكن بسبب إستهتار بعض الأشخاص، أطلّ من جديد هذا الوباء، متوعّداً بالتفشي بوتيرة أكبر. لذا جميعنا شعرنا بالإنزعاج والضيق النفسي. ولكن بعض الأشخاص يمكن أن يترجموا مشاعرهم السلبية بالعدوانية تجاه عائلاتهم: العنف الجسدي، العنف المعنوي أو العنف اللفظي والإهانات الشخصية والتحطيم النفسي والعنف العاطفي... كلها غير مقبولة تماماً، مهما كانت الحالة التي يمرّ بها الإنسان. فلا يمكن أن نبرّر عدوانية شخص ما بالضغط النفسي الذي يعيشه.
العنف الأُسري في الحَجر المنزلي
منذ حوالى ثلاثة أشهر، لم يتفشّ فحسب فيروس كورونا بين اللبنانيين بشكل خجول، بل تفشّى أيضاً العنف المنزلي بشكل واضح. وبدأت تهتم المراكز التي تُعنى بالمشكلات الأُسرية، بمتابعة ضحايا العنف المنزلي، خصوصاً لدى السيدات. كما بدأت تتحرّك المؤسسات الرعائية لتوعية المجتمع حول موضوع العنف الأُسري، الذي يمكن أن يُفسّر بأنّه إيذاء نفسي وجسدي يتعرّض له أحد أفراد العائلة. لذا يمكن أن تكون الضحية الأب أو الأم أو أحد الأطفال. وتتعرّض الضحية للسخرية والإستغلال والذلّ وغيرها من الممارسات، كالضرب والعنف الجسدي. كما يمكن أن تتعرّض أيضاً للعنف الجسدي كالصفع والركل، وحتى الضرب على الوجه، وصولاً إلى الحرق وإستعمال السلاح حتى القتل. أما على الصعيد النفسي، يمكن أن يتمّ تهديد الضحية بالقتل أو الأذية، إذا أخبرت أحداً بما تتعرض له (خصوصاً عندما يكون الجاني هو الزوج). كما يمكن للجاني أن يُجبر الزوجة على ممارسة الجنس، وأن يرفض الاعتراف بحق زوجته في الحصول على المال، ولا يوفر الحاجة للرعاية الصحية، أو يجبرها على البقاء معزولة، أو حتى على العمل خارج البيت. وتؤدي هذه التصرفات الى مشكلات على الصعيد الصحي والنفسي والجنسي.
تداعيات العنف الأُسري ما بعد «كوفيد-19»
قد تنجم الكثير من المشكلات عن العنف الأُسري، ولا يمكن إحصاؤها. يكفي أنّ العنف الأُسري يؤدي إلى مشكلات نفسية وقلة ثقة بالنفس وغيرها. ولكن لنبدأ بالتكلم عن المشكلات المباشرة التي تنجم عن العنف، مثل الجروح على كل المناطق من الجسم وحتى الوجه، والرضات التي تبقى آثارها موجودة ليس فقط على الجسد لمدة أيام ولكن في النفس لمدى العمر.
أما المشكلات النفسية التي يمكن أن تكون ناجمة عن العنف المنزلي فهي: الخوف من كل شيء وعدم الثقة بأي شخص وبأي إنسان. الإكتئاب والقلق من السمات الأكثر خطورة التي يمكن أن تشعر بهما المرأة المعنفة. وطبعاً بسبب الإكتئاب والقلق المتلازمين مع المرأة التي تعيش مع رجل عنيف، ينتج من ذلك الأمراض النفسية- الجسدية، وبالتالي الأضرار الصحية. فالكثير من الامراض الجسدية تظهر بسبب الإضطراب النفسي والقلق. أما المشكلات الجنسية التي يمكن أن تمرّ بها المرأة المعنّفة، فتشمل التعنيف الجنسي والإجبار على ممارسة الجنس والإجهاض وطبعاً الأمراض المنقولة جنسياً.
كيفية التعامل مع مشكلة التعنيف
بعد التعنيف، غالباً ما تتولّد لدى الشخص المعنّف مشاعر سلبية وقلة ثقة بالنفس وخوف مستمر وغيرها من المشاعر. لذا يجب مساعدة هذا الشخص وتفسير النقاط التالية له:
أولاً، يجب التخفيف من الشعور بالذنب، من خلال التفسيرات للشخص المعنّف أنّه ليس المسؤول عن مشكلات الشريك الذي يعنّفه.
ثانياً، طلب المساعدة بشكل سريع من إحدى المؤسسات التي تُعنى بالعنف، لأنّ الجاني سيكرّر ويكرّر ويكرّر فعلته.
ثالثاً، يجب أن يقرّر الشخص المعنّف الاستراتيجيات لحماية نفسه من هذا العنف الذي يمكن أن يؤدي إلى موته.
رابعاً، طلب المساعدة من أخصائي نفسي لتخطّي مشكلات الإكتئاب والقلق المعمم وغيرها من نتائج العدوانية عليه.
كما يجب مساعدة الشخص الذي يُعنّف ولكن، يجب الإعتراف بأنّه نادراً ما يطلب الأشخاص الذين يمارسون العنف على أحد أفراد عائلتهم، المساعدة. فطبعاً يجد الشخص المعنّف عذراً لتصرفاته غير المقبولة. ولكن إذا طلب مساعدة، فكيف يمكن مساعدته:
- لا يجب أن ننحاز لأي طرف، ومن المهم أن نفسّر له بأنّ الضرب غير مقبول بأي شكل من أشكاله، كما أنّ أي نوع من العنف غير مقبول، لأنّ العنف يخلق عنفاً أكبر بين مختلف أعضاء العائلة.
- يجب أن يعرف الشخص العنيف بأنّ هناك قوانين تحمي الأشخاص الذين يعنّفهم.
- يجب التقصّي ما إذا كان الشخص العنيف يعاني من مشكلات نفسية أو من أي نوع من الإدمان (مخدرات - كحول...)، وإلّا يجب توجيهه إلى مؤسسة تهتم بالأشخاص الذين يعانون من هذه المشكلة.
- متابعة إرشادات نفسية وتطبيقها، لأنّ أي إنسان يمكنه أن يضبط غضبه، والسيطرة عليه والتعامل معه بشكل أفضل.