د. روي ج. حرب - الشغل مش عيب!

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, May 20, 2020

تتباهى سيّدات المجتمع اللبناني بأولادهنّ المميّزين "ابني الأوّل ع صفه"، وكأنّ العلامة التي يضعها الأستاذ على ورقة الامتحان هي التي ستحدّد حياة هذا التلميذ أو ذاك، فتتناسَين أنّ الحياة العمليّة أهم من الحياة الأكاديميّة، وأنّ الذكاء غير مرتبط نهائيًّا بنتيجة الإمتحان، وأنّ معظم رجال الأعمال الناجحين ومعظم المبتكرين والمخترعين لم ينالوا مراتب شرف في مدارسهم أو جامعاتهم، ويستحضرني مثال آينشتاين الذي رفضت احدى أعرق الجامعات طلبه للإلتحاق بها.
لطالما تميّز اللبناني بالغطرسة والكبرياء وحبّه للحياة، وطالما تميّز اللبناني بأنّه لا يقوم بأيّ عمل يدوي، بل يستعين لهذه الغاية بالعمّال والعاملات الأجانب، حتى صار عددهم يناهز أو يكاد يفوق عدد اللبنانيين المقيمين، مع ما يترافق ذلك من خروج العملة الأجنبيّة الى بلدان عربية وأجنبية، صديقة وشقيقة.
وفي الوقت عينه، يمتاز اللبناني بعملية "النق" المستمر، فهو يفضّل البقاء من دون عمل بدل أن يعمل بغير شهادته او اختصاصه، حتّى في أحلك الظروف وأقساها قهراً ؛ وقد بات معلوماً في علم الإقتصاد أنّنا تخطينا مرحلة الأزمة ودخلنا في مرحلة الركود الإقتصادي التي تتطلّب من جميع الفئات المجتمعية التضحية بالهيبة والنفوذ، و"التشمير على الزنود" لا لعرض العضلات وانّما للقيام بمختلف الأعمال ومنها السمكرية وأعمال الكهرباء والدهان والحدادة وتصليح السيارات وأعمال التنظيفات وغيرها الكثير التي نرفض الاقتراب منها او تسميتها، مع التذكير بأنّ العنصر الأساسي لأيّ اقتصاد قوّي هو الزراعة وليس الصناعة ولا السياحة بطبيعة الحال، فهلا فكّرنا قليلاً بأراضينا واستثمرناها واستصلحناها لتقينا شرّ حكّامنا؟
هذا في المطلق، وهذا في علم الاقتصاد، أمّا في وضعنا الراهن فالأمر يختلف كليًّا، إذ لا يمكن أن نطلب من شعب سُرق على مرّ السنين، ولا تزال تُنهب أمواله وعملته الأجنبيّة وخيرات بلده ومدّخراته من خلال التهريب غير الشرعي اليومي والمكثف، أن يعمل ناطوراً أو خادماً في منزل سارقيه.
أعيدوا أموالنا المنهوبة أولاً، ولا تغطّزا الفاسدين والسارقين، وبعدها قوموا بالتشريعات اللازمة لتنظيم المهن الحرّة والتعليم الرسمي المجاني والإنماء المتوازن للقرى والمدن والبلدات، وبعد كلّ ذلك أصدروا الإحصائيات اللازمة للمهن والإختصاصات المطلوبة فيعرف عندها الشاب اللبناني المقبل على دخول الحياة العملية الإختصاص الذي سيتوجّه له والمادة التي سيدرسها والمهنة التي سيمتهنها لتقيته وعائلته وتحميه من ذلّ البطالة والتنظير الذي تشتهرون به.
لا... لا عيب في العمل، فكلّ المهن شريفة، لكنّ العيب، كلّ العيب هو في سرقة اموالنا ومستقبلنا وأحلامنا، العيب هو في الكذب المستشري والأوهام التي تبيعونها والإنجازات السطحيّة التي تتباهون بها، العيب هو في ارتداء الماركات العالميّة من جيوبنا، وفي الرحلات الخاصة على حسابنا، وفي القصور التي تعيشون فيها وقد بنيتموها من عرق جبيننا... هذا هو العيب...
والعيب الأكبر هو إعادتكم إلى مناصبكم في الإنتخابات المقبلة، مبكرة كانت أم عادية... العيب هو في الرشوى التي يقبضها المواطن ليضع في الصندوق اسم سارقه وقاتله... هذا هو العيب...
أما العمل، فعلى اختلاف أنواعه، ليس عيباً ولا حراماً، ما دام بكرامة واحترام وشرف ونزاهة، وقد آن الأوان لتغيير ذهنية الغطرسة واستبدالها بالعقلية العملية من دون تعقيدات وحساسيات... فأهلاً بالمهن الحرة اللبنانية، لكن بأصول وليس بالفوضى لتغطية نهب الأموال وإفلاس البلد.

#خدوني_ع_قد_عقلاتي