تراجعٌ تاريخي للعجز التجاري في لبنان

  • شارك هذا الخبر
Monday, May 18, 2020

تراجع العجز في ميزان المدفوعات في الربع الأول 2020 نحو مليار دولار أميركي، بالمقارنة مع الربع الأول من العام 2019. وسجل نحو 1،1 مليار دولار أميركي مقابل 2 مليار في الفترة المقارنة.

"ديالكتيك البؤس"!
هو "ديالكيتك البؤس" يلعب دوره أيضًا في الصراع الأبدي بين الواردات وبين الصادرات الذي يحدث الفارق. وهو ما حدث في كانون الثاني وشباط 2020. فقد تراجع العجز التجاري في الشهرين المذكورين نحو 36 في المئة، نجم عن تراجع الواردات بواقع 24.1 في المئة وارتفاع الصادرات 26.1 في المئة. أدّى ذلك لتغطية الصادرات إلى الواردات بواقع 32.1 في المئة. وهو تطور غير مسبوق في تجارة لبنان الخارجية، كان من شأنه تخفيف الضغط على ميزان المدفوعات، لكون الميزان التجاري عنصرًا كبيرَ الأثر من عناصر ميزان المدفوعات، الذي يعكس حركة العملات الأجنبية الصافية، من أي مصدر كانت، من لبنان وإليه.

التدفقات النقدية تسللًا
يفتقد ميزان المدفوعات إلى حجم التدفقات النقدية الصافية في الاتجاهين، من لبنان وإليه، من كل المصادر، كي تتظهّر نتائجه ومكوناته بالتفصيل. ويبدو أن وضعية التدفقات النقدية الصافية التي ينشرها عادة مصرف لبنان ويستخلصها من الموجودات الخارجية الصافية للمصرف والمصارف التجارية، والقطاع المالي عمومًا، لن تكون متاحة في ظل الأزمة المالية والمصرفية، لسنوات مقبلة. فنتيجة القيود المفروضة على تحويلات العملات الأجنبية إلى الخارج، المستمرة بلا قانون (Capital Control)، تتكتّم المصارف على التحويلات لاستخلاص حركة العملات الأجنبية.

وقد تحوّل هذا الشأن قضية، كما هو معروف. ومن جهة ثانية، فالتحويلات التي ما زالت قائمة من العملات إلى لبنان، ومعظمها من اللبنانيين العاملين في الخارج إلى ذويهم، غالبًا ما تنقل ماديًا باليد أو عبر الشحن. وتتفادى المرور في المصارف كي لا تحجر عليها وتشترط على أصحابها تسلمها بالليرة اللبنانية، أو حبسها سنوات بعملة التحويل الأصلية، خلافًا للدستور والقوانين ولتعاميم مصرف لبنان! خلا حالات معينة لمؤسسات وأفراد وفي حدود ضيقة. أمّا التحويلات الاستثمارية المباشرة (FDI)، وهي الرواق الثاني للتدفقات الخارجية الى لبنان، فعلينا أن ننساها لسنوات مقبلة أيضًا، ما بقي البلد "رهين المِحبسين": الإفلاس السياسي والافلاس المالي.

انتعاش الصادرات
من هنا أهمية تراجع العجز العجز التجاري إلى مستوى تاريخي. ويكتسب بعدًا استثنائيًا من ارتفاع محسوس للصادرات، وليس جرّاء تراجع الواردات فحسب. معادلة البؤس نفسها تحضر هنا أيضًا. فتراجع الواردات مرتبط على نحو رئيس بتراجع الكبير في سعر صرف الليرة اللبنانية على عملات الاستيراد. دولار أميركي، ويورو، وين ياباني وجنيه إسترليني وخلافها. الأمر الذي يرفع من سعر المستوردات للاستهلاك من جهة، ويحد من قوة الدخول الشرائية المقومة بالليرة اللبنانية من جهة ثانية، لاسيما منها الأجور. بيد أن السبب نفسه، أي تراجع سعر الصرف، أكسب الصادرات اللبنانية هامش منافسة كبيرًا في الأسواق الخارجية، طالما افتقدته بليرة مثبتّة يُعتقد على نطاق واسع إنها ما كانت تعكس سعر الصرف الاقتصادي الحقيقي، ومقوّمة أعلى من قيمتها. في كل الأحوال، فالميزان التجاري المرحّب به فائضًا من الناحية الاقتصادية ليس بالضرورة مرآة النمو الاقتصادي للدول. فتراجع العجزين التجاري والمدفوعات في لبنان إنما يعكس تباطؤ الطلب الداخلي الاستثماري والاستهلاكي، في اقتصاد يغطّ في ركود عميق، مصحوبًا بتضخم بات خارج المراقبة (stagflation).

الإحصاءات
إحصاءات التجارة الخارجية كما صدرت عن مصلحة الجمارك اللبنانية:
تراجع العجز التجاري في الشهرين الأولين من 2020 بنسبة 36% مقارنة مع تراجع 24.1% في الفترة نفسها من 2019، ونمو الصادرات 26.1%. الاتجاه المرجح أن يستمر ويتطور أكثر خلال الأشهر المقبلة. وانخفضت الصادرات والواردات الاجمالية 15.8٪ ليصل إلى 2.8 مليار دولار أميركي. بينما وصلت نسبة الصادرات إلى الواردات إلى مستوى تاريخي مرتفع بلغ في الفترة نفسها 32.1٪.

الصادرات
في التفاصيل، وصلت الصادرات إلى 676 مليون دولار أميركي خلال كانون الثاني وشباط 2020، مقارنة بـ536 مليون دولار أميركي بالفترة نفسها عام 2019. وحسب المنتج، سجّلت المجوهرات الزيادة الأعلى 58.8%، والمعادن والمنتجات المعدنية 50.0٪، والمنتجات النباتية 17.2٪، والمنتجات الكيميائية 9.1٪. بينما سجّلت المنتجات البلاستيكية بين الفترتين الانخفاض الأكبر بين الفئات الرئيسية بنسبة 37.0٪ والأوراق والمنتجات الورقية بنسبة 19.0٪.

الصادرات إلى سويسرا سجلت أعلى نسبة، بلغت 135.1٪ على أساس سنوي (بحصة 33٪ من الصادرات الإجمالية)، تليها الإمارات بزيادة 48.1٪، ومصر والعراق 33.3٪ لكل منهما، والأردن 30.8٪، والمملكة العربية السعودية 26.5٪. بينما سجلت الصادرات إلى سوريا انخفاضًا كبيرًا بنسبة 47.5٪، تلتها قطر 24.0٪.
يشار إلى أن الصادرات إلى الأراضي عبر سوريا سجلت اتجاهًا سلبيًا مع انخفاض بنسبة 27.8٪، والانتقال من 54 مليون دولار أميركي إلى 39 مليونًا. بينما ارتفعت الصادرات عبر مطار رفيق الحريري بنسبة 49.6٪ مع زيادة نسبية في الصادرات خلال الفترة نفسها من مرفأ بيروت بنسبة 6.5٪.

الواردات
في الموازاة، بلغ الواردات الاجمالية 2.1 مليار دولار أميركي خلال الشهرين الأولين من 2020. وكانت 2.8 مليار في الفترة نفسها من 2019. ويشير توزع الواردات بحسب المنتج إلى أن التراجع الأكثر أهمية سجلته واردات المعادن والمنتجات المعدنية بنسبة 63.9٪ على أساس سنوي. يليه وسائل النقل والسيارات بنسبة 61.1٪، والمنتجات البلاستيكية 60.7٪، والمعدات الكهربائية 59.9٪، والمنسوجات ومنتجات المنسوجات بنسبة 46.6٪.

من ناحية أخرى، يُظهر توزع الواردات بحسب بلد المنشأ، خلال الفترة المقارنة (على أساس سنوي مقارنة بالشهرين الأولين من 2019)، تراجع الواردات من الصين بنسبة 61.7٪، أي الأعلى بين الشركاء الرئيسيين، تلتها مصر بنسبة 50.0٪، وفرنسا 44.4%، وألمانيا 41.3٪، وروسيا 32.8٪، والولايات المتحدة 24.5٪، وسويسرا 18.9٪.
من ناحية أخرى ، شهدت الواردات من تركيا أهم زيادة بين الشركاء التجاريين بنسبة 61.9٪ على أساس سنوي، تليها الإمارات بنسبة 38.9٪


المدن