ناضر كسبار- "الشغل مش عيب"... ولكن

  • شارك هذا الخبر
Monday, May 18, 2020

كتب المحامي ناضر كسبار:

اثار التصريح الذي ادلت به السيدة نوار، عقيلة رئيس مجلس الوزراء الدكتور حسان دياب، موجة عارمة من التعليقات. بعضها مؤيدة وبعضها شاجبة. فقد طلبت السيدة دياب من ضمن ما طلبت، من سيدات وصبايا لبنان العمل في خدمة المنازل بدلاً من العاملات الاجنبيات، لتحسين الوضع الاقتصادي وعدم اخراج العملة الصعبة من دولارات وغيرها الى الخارج.
لذلك، وبمعزل عن التعليقات التي حمل بعضها شيئاً من التعصب والفئوية والطبقية والشعبوية، بشيء من التسرع والغضب، فإننا نبين بعض الحقائق والوقائع والمبادئ، تمهيداً للوصول الى النتيجة.
اولاً: يعتبر لبنان من البلدان المتقدمة إجتماعياً على العديد العديد من دول العالم. ويضم طاقات علمية وثقافية واقتصادية وطبية وحقوقية....الخ قد لا نجدها على المستوى الفردي في معظم دول العالم.
هذا البلد تم نهبه. نعم وبكل صراحة تم نهبه من قبل معظم من تولوا فيه المسؤوليات. يحاولون تبييض صفحتهم واستعمال اساليب الغش والنفاق لاقناعنا بالعكس، ولكننا غير مقتنعين بشفافيتهم ونظافة كفهم.
ومع كل المصائب المالية التي حلت بهذا البلد، لا يزال من الدول التي يرغب شعبها بالحياة الكريمة والرغيدة.
ثانياً: يصر الاهالي في لبنان على تعليم اولادهم في افضل المدارس والجامعات، مع ما يتطلب ذلك ايضاً من قرطاسية وتصوير اوراق وشراء كتب، وتنقلات واقامة في اماكن قريبة من الجامعة، فتراهم يعملون ليل نهار لتأمين الاقساط المدرسية والجامعية لهم، واعرف العديد العديد من الاصدقاء والمواطنين الذين باعوا اراضيهم من اجل تعليم اولادهم. بحيث تبلغ الكلفة احياناً ثلاثماية الف دولاراً اميركياً للولد الواحد.
لفتني اسكتش على احد التلفزيونات حيث جلس شاب على الكنبة، وهو عاطل عن العمل، ووالده يصرخ بوجهه. الى ان سأله الشاب عن المبلغ الذي دفعه عن شقيقه في سبيل التعليم. وبعد الجمع والضرب والطرح وصل الى ثلاثماية الف د.أ. فسأله الشاب: وكم يقبض حالياً: فأجابه الوالد الف د.أ. شهرياً. اي لا يوازي فائدة المبلغ الذي دفعه عنه. والعبرة من ذلك انه يجب على الدولة ان تضع خططاً مستقبلية حول الوظائف والمهن والحرف وغيرها التي يجب ان يتوجه اليها المواطنون، وان يضعوا الشخص المناسب في المكان المناسب بعيداً عن المحسوبيات والاستزلام والتحزب وغيرها.
ثالثاً: رفع بعض المعلقين الشعار الشهير:"الشغل مش عيب". شعار جميل وصحيح طبعاً. والافضل ان يعمل الانسان بدلاً من مد يده في الشارع او السرقة...الخ ولكن لكل انسان كرامته. من تريد ان تعمل خادمة في منزل فلتعمل ولكن لا يحق لها ان تطلب ذلك من غيرها.
الاعمال قد تأتي بشكل عفوي. معظم شباب وصبايا لبنان يعملون صيفاً في مطعم او مسبح او اوتيل او محطة وقود او كاراج...الخ وشتاء يتعلمون. وتساعدهم المبالغ التي قبضوها على ذلك. ولكن هل يطلب منه بعد تخرجه ان يعمل في المطعم او المسبح؟. ولماذا تعلم واستحصل على شهادة طب او حقوق او هندسة او صناعة او تجارة؟ ولماذا دفع الاقساط وتوابعها من "لحمه الحي" او من عمله المضني صيفاً في المطعم او المسبح او الاوتيل او محطة الوقود او الكاراج.؟
رابعاً: ان الانسان الذي يقوم بأي عمل شريف هو محط تقدير لدى الجميع. فهو العمل الذي اختاره او اجبرته الظروف على اختياره. وعليه ان يتقنه جيداً مهما كان وضيعاً.
كان المرحوم عبدو سعد، رئيس الحرفيين في لبنان، يروي انه اثناء مناظرة بين َمرشحَين للرئاسة الاميركية، سأل احدهما الآخر: هل صحيح انك كنت تعمل في صغرك كماسح احذية في الشارع؟
فأجابه:"صحيح. لقد كنت ماسح احذية في صغري. ولكن اؤكد لك انني كنت امسح الاحذية جيداً والمعها تلميعاً براقاً. وكان هذا الجواب كافياً لكسب عطف الناخبين الاميركيين يومها.
خامساً: القدرة على العطاء في العمل هي التي تميز الموظف او العامل عن الآخر. فلا يمكن الطلب من طبيب جراح القيام بأعمال لا تناسب مهنته، وعلى كل انسان ان يقوم بالاعمال التي تدخل ضمن اختصاصه. وفي هذا المجال، يروي المحامي الشيخ انطوان الجميل الذي كان يحاضر في جامعات اميركا وعلى تواصل مع مكاتب المحاماة فيها، انهم في المكاتب الكبيرة يقسمون المحامين الى عدة اقسام. منهم من يقوم بالتفتيش والتنقيب عن الاحكام والمراجع Recherches. ومنهم من يكتب اللوائح والمذكرات، ومنهم من يعقد الاجتماعات ويتفاوض مع الجهة الاخرى...الخ وعندما تسأله عن السبب يجيب: لأن ساعة العمل لدى من يكتب اللوائح، غير ساعة عمل من يقوم بالتفتيش عن النقاط القانونية والاجتهادية والفقهية. وبالتالي فإن كبار المحامين مثلاً لا يضيعون وقتهم" للقيام بأمور صغيرة ويتركون امرها لمن هم في بداية الطريق وهكذا دواليك.
سادساً: عندما نتكلم عن العمل كخادمة في منزل، فهذا يعني ان في هذا المنزل ربة منزل او عائلة بحاجة الى هذه الخادمة. فمن هي ربة المنزل هذه التي تطلب خادمة؟. ولماذا يتم توجيه الكلام الى غيرها ليعملوا كخدم في منزلها.
وبالتالي، فهناك حسب نظرية السيدة دياب خادمة ومخدومة. فمن الذي يحدد صفة كل منهما.؟ وطبقاً لاي معيار؟ واي ظروف؟.
أما الحل فسهل جداً: بما ان الشغل مش عيب. وبما ان عمل كل انسان في منزله لا يعتبر عيباً على الاطلاق. فلماذا لا يتم تشجيع اللبنانيين واللبنانيات على إنجاز الاعمال المنزلية بأنفسهم. ومن لا يستطيع ذلك لاسباب صحية، او من يكون في وضع اجتماعي لا يتسع وقته للاعمال المنزلية، فليستعن بمن يشاء ضمن ضوابط مشددة ومدروسة.


يتبين مما تقدم، وبكل موضوعية ومنطق، ان السيدة دياب لم تكن تقصد إهانة الشعب
اللبناني، بل ادلت بما ادلت به بعفوية وببراءة، معتقدة ان هذا الامر يساعد على تحسين الاقتصاد وعدم خروج الدولار من لبنان. في حين انه يجب استعادة الاموال المنهوبة، ووقف الهدر، ومنع الفساد، ووضع خطة اقتصادية غير معقدة.
فيعود لبنان الى سابق عهده من الرخاء، والعيش والكريم. مع تأكيدي على عدم إعطاء الثقة للحكومة الحالية.
لم أعطها ولن أعطيها.