أنطوان قسطنطين - إذا كنت مخطئاً أرشدوني

  • شارك هذا الخبر
Friday, March 27, 2020

لستُ شيوعيّاً، مع تقديري لكُلّ فِكرٍ طَوّر في تاريخ البشريّة حِسّ الانسانيّة والعدالة الاجتماعيّة والمساواة بين الناس.

لستُ شيوعيّاً، لكنّني مع اقتصاد الفُرَص المُتساوية، والضريبة التصاعديّة التي تحقّق العدالة الضريبيّة.

أنا مع اقتصاد السوق ومع نظام مصرِفي حُـرّ، تؤدّي المصارف من خلاله خدمة لا بل وظيفة تمويل الإقتصاد، أَي تُمَوِّل كلّ مشروع يُنتج، زراعةَ وصناعة وسياحة وتجارة وخدَمات وتكنولوجيا، ويُوَلّد فرَص عمل ويُكبِّر حجم الإقتصاد الحقيقي لا الرَيعي، ويُحقّق التنمية الإقتصاديّة - الإجتماعية المُستدامة.

أنا مع دَور مصرف لبنان ومهامه في المحافظة على سلامة أوضاع النظام المصرفي، باتّخاذ التدابير المُلائمة للابقاء على الانسجام بين السيولة المصرفيّة وحجم التسليف في المصارف.

أنا مع دَوره بإعطاء التوصيات والاقتراحات واستخدام الوسائل التي مِن شأنها ان تؤَمِّن تسيير عملٍ مصرفي سليم.

أليسَ هو مصرف المصارف التي تقوم بإيداع جُزءٍ من أموالها لدَيه كي تكون احتياطاً استراتيجيّاً لها وللمُودعين، وليس لَه، ولكَي تُجري عَبره عمليّات المقاصّة؟ أليسَ هو مصرف الدولة المفتَرض به، وفقَ قانون النَقد والتسليف، أن يتعاون مع الحكومة ويُقدِّم لها كلّ مشورة تتعلّق بالسياسة الماليّة والاقتصاديّة وأن يُستَدعى للاشتراك في مُذاكراتها حَول قضايا النَقد، ويَقترح عليها التدابير التي يرى أنّ مِن شأنها التأثير المُفيد على ميزان المدفوعات وعلى النمو الإقتصادي؟!



أليسَ عليه أن يُطلِع الحكومة رسميّاً على حقيقة الأرقام وعلى الأمور التي يَعتبرها مُضرّة بالاقتصاد وبالنقد، لا أن يُنَفِّذ هو بالذات عمليّات مَشبوهَة كالهندسات الماليّة؟!

أنا مع الحرّية الاقتصاديّة المُنضَبِطة ومع المصارف ومصرف لبنان، لكنّني أسأل أيُّ صُدفة تِلك التي جعلَت خُبراء ومُحلّلين اقتصاديّين ومصرفيّين من مدارس مُختلفة وأحياناً مُتناقِضة، يميناً ووَسطاً ويساراً، يُجمِعون على انتقاد مصرف لبنان وحاكميّته؟!

أيُّ صدفة جعلَتهم يُحمِّلونه بشكل أساسي، مسؤوليّة ما وصلَت اليه أوضاعنا الماليّة والنقديّة؟!

كأنّي بالسادة: سامر سلامه، حسن الخليل، توفيق كسبار، منصور بطيش، ايلي يشوعي، غسّان العيّاش، محمّد زبيب، شربل نحّاس، نسيم طالب، دان قزّي، مجموعة كُلّنا إرادة... وغيرهم مِمَّن فاتني ذكرهم، يقرأون في كتاب واحد حين يتعَلّق الأمر بدَور مصرف لبنان ومسؤوليته؛ هذا عدا عن الذين ينتقدون في الغُرَف المُقفلة ولا يُعلنون خوفاً على مصالحهم أو لُقمة عيشهم.

قيل لي إنَّ خُبراء البنك الدَولي وصندوق النقد الدَولي ومصرف لازار الفرنسي ليسوا بعيدين في قراءتهم وتقاريرهم المَنشورَة والمَخفيّة عن خبراء لبنان.

أنا لستُ شيوعيّاً ولستُ أبداً ضد المصارف ولا ضد المصرف المركزي، لكنّني مع حقوق الناس ومع سلامة الاقتصاد الوطني ونُموّه الحقيقي ومع العدالة الاجتماعيّة والتنمية البشريّة والإنماء المُتوازن وطبعاً مع الشفافيّة، وهي أساسيّة في مكافحة الفساد والإفساد.

لستُ مع الاقتصاد المُوَجّه بَل مع الاقتصاد الحرّ الذي يَصونه الدستور اللبناني.
أنا مع تطبيق القانون الذي يَحمي الحريّات الاقتصاديّة ضمن مُنافسة عادلة.

أنا مع مُساءَلة حاكم البنك المركزي الذي كان دائماً يبَشّرنا بالاستقرار ويؤكد على وجوده، ومع مُطالبته بالافصاح لا بلْ الكشف عن أرقامه ومُحاسبته لا سيّما إنْ تأكّدَت الفُجوَة المُخيفة والمَخفيّة منذ سنوات في حساباته. وبالتالي، ثبُتَت مخالفته لقوانين الدولة وإخفاقه في واجباته وفي تَحَمُّل مسؤوليّاته.

إنَّ قرار مجلس الوزراء الذي صَدر يوم أمس هو في الإتّجاه الصحيح، ونأمل أن يُصار الى التحقيق مع كلّ المَعنيّين لا سيّما كُلّ أعضاء المجلس المركزي ورئيس وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف، تِبياناً للحقيقة ولِجلائها بشكلٍ كامل.

إنْ كنتُ مُخطئاً أرشِدوني؛ وإنْ كنتُ مُحقّاً فأرشِدوا مَن لا يزال يُكابر ويَتكبَّر ويَتجَبَّر، وذَكِّروه بقَول المُتنبّي:
«الرأيُ قَبلَ شَجاعةِ الشُّجْعانِ هُوَ أوّلٌ وَهيَ المَحَلُّ الثّاني
فإذا هُمَا اجْتَمَعَا لِنَفْسٍ حُرّةٍ بَلَغَتْ مِنَ العَلْياءِ كُلَّ مكانِ».