د. محي الدين محمود الشحيمي- أعلنوا حالة الطوارئ في لبنان قبل فوات الأوان!

  • شارك هذا الخبر
Monday, March 23, 2020

يواجه العالم منذ حوالي ثلاثة أشهر وباء كورونا الفتّاك، الذي فرض سلطته وسلطانه في كل مكان. لم يُفرّق أبداً بين الشرق والغرب أو بين الأعراق والطوائف والمذاهب، ضارباً بعرض الحائط كل الأعراف والثوابت. لقد هدّد هذا الوباء العالم بأمنه وسلامه، بحيث بات من المُستحيل علينا ان نواجهه بالقوانين العادية ومن طريق الإستمرار بالأسلوب الطبيعي للحياة، وإلّا سنكون أمام مصيرٍ محتوم ونهاية مأسوية، نهاية هي بحد ذاتها مخالفة لجميع الدساتير والقوانين والأعراف الدولية والوطنية وجريمة بحق الإنسانية.

لذلك ينبغي على الدولة اللبنانية حكومةً وشعباً ان تكون على القدر الكافي من المسؤولية وأن تُباشر بالإجراءات القانونية والإدارية الصحيحة لدرء كل هذه الاخطار والمفاسد، وأن تنتصر بالدرجة الأولى على ضياعها. من المعروف أن حالة الطوارئ هى حالة تضطر السلطات الشرعية داخل الدولة على فرضها حسب القانون لمواجهة أوضاعٍ إستثنائية تُعرّض الشعب لخطر جسيم بسبب حروبٍ داخلية أو خارجية، أو حتى كوارث طبيعية بحيث تعجز الإدارة المدنية معالجتها لوحدها وبالطريقة المعتادة إنما بصلاحيات إضافية لفترة مؤقتة يُحدّدها القانون، ولمناطق مُعيّنة حسب الضرورة لمعالجة الوضع الإستثنائي. وتنص المادة 65 من الدستور اللبناني في الفقرة الخامسة “… أما المواضيع الأساسية فإنها تحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة المٌحدّد في مرسوم تشكيلها. ويُعتَبر من المواضيع الأساسية ما يأتي: تعديل الدستور، إعلان حالة الطوارئ وإلغاؤها، الحرب والسلم، التعبئة العامة، الإتفاقات والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، الخطط الإنمائية الشاملة والطويلة المدى، تعيين موظفي الفئة الأولى وما يعادلها، إعادة النظر في التقسيم الإداري، حلّ مجلس النواب، قانون الإنتخابات، قانون الجنسية، قوانين الأحوال الشخصية، إقالة الوزراء” .

وتناول القانون الدولي أيضاً حالة الطوارئ من خلال العهد الدولي للحريات المدنية والسياسية، الصادر في العام 1966، إذ حدَّد الشرط الأساس لفرض حالة الطوارئ في وجود خطر عام واستثنائي يتهدد وجود الأمة، على أن يتم إعلان حالة الطوارئ بشكلٍ رسمي وذلك منعاً لشيوعِ الممارسات السالبة بالحريات في أوقات ليس لها طابع الإستثناء .

كما ويحصر المرسوم الإشتراعي رقم 52 الصادر في 5 آب (أغسطس) 1967، إعلان حالة الطوارئ أو المنطقة العسكرية في جميع الأراضي اللبناني أو جزء منها “عند تعرّض البلاد لخطر داهم ناتج عن حرب خارجية أو ثورة مُسلّحة أو أعمال أو اضطرابات تُهدّد النظام العام والأمن أو عند وقوع أحداث تأخذ طابع الكارثة”.

أَلَسنا نحن الآن أمام كارثة إنسانية واجتماعية واقتصادية ومالية؟ لذلك علينا ان نتدارك الأمر بشكل سريع وأن نقوم بالحلول السريعة والتي من شأنها أن تُساعدنا وأن تُخفّف عنّا المصاعب وتُجنّبنا الويلات نوعاً ما. فحالة الطوارئ ليست أبداً كَبتاً للحرية أو تعسّفاً إزاء الأفراد والجماعات في هذه الحالة، لا بل على العكس هي حماية لهم، إذ يتحوّل حامل الوباء الى قنبلة موقوتة ويُفجّر انتشار المرض في كل امكنة تنقّلاته، حيث ان التنقل الفوضوي والعشوائي وغير المنضبط هو مخالف للقوانين والأعراف والإنسانية، إذ تنص المادة 604 من قانون العقوبات اللبناني الصادر في 01/03/1943 على “مَن تسبّب عن قلة احتراز او إهمال او عدم مراعاة للقوانين أو الأنظمة في انتشار مرض وبائي من امراض الانسان، عوقب بغرامة تراوح بين خمس وعشرين ومئتي ليرة. وإذا أقدم الفاعل على فعله وهو عالم بالأمر من غير ان يقصد موت أحد، عوقب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات فضلا عن الغرامة”.

إن مكتبتنا القانونية مُشبعة بنصوصٍ واجبة إلزامياً لمقتضيات الأمن الصحي والصحة والسلامة العامة، حيث نجد من أيام الإنتداب الفرنسي أن القرار رقم 188 (19 نيسان/إبريل 1920) بعنوان (وقاية الصحة العمومية) الصادر عن “المندوب السامي للجمهورية الفرنسية ( الجنرال هنري غورو)، (المعدل بموجب القرار 1362 تاريخ 06/04/1922 والقانون الصادر في 06/02/1931 والمرسوم الاشتراعي 16 بتاريخ 30/06/1932)، قد نصت على إجراءات للوقاية من الأمراض السارية، خصوصاً لجهة الفرز الاجباري للمرضى في أماكن مخصصة، بالإضافة لتبيان ماهية التدابير التطهيرية لجميع الأماكن والأشياء التي يُمكنها نقل العدوى. كما حدّد كذلك مُوجبات المؤسسات الصحية واصحاب الفنادق ومدراء المدارس والمستشفيات العامة والخاصة وغيرها من المؤسسات الصحية، لجهة إحصاء وابلاغ السلطة الادارية بكل مرض أو وباء. وحظّر الإقتراب من المريض الّا لمَن يُعالجونه، والإحتياطات التي يجب اتخاذها لمنع انتشار الداء، وكيفية نقل المرضى وتطهير العربات الخاصة لنقلهم، والحظر على كل مصاب بمرض من دخول أي عربة للنقل العمومي، وتحديد مدة ومكان لعزل المصابين.

لدينا أيضاً سلسلة مراسيم لتنظيم مكافحة الأوبئة والأمراض بعينها كالمرسوم رقم 1175 (30 تشرين الثاني/نوفمبر 1934) المُتعلّق بتنظيم مكافحة البرداء والملاريا، والمرسوم 13702 (24 تشرين الثاني/نوفمبر 1948) للوقاية من داء الخانوق، والمرسوم 14538 (16 آذار/مارس 1949) لمكافحة الملاريا والذباب بواسطة الـ (د.د.ت)، والقانون الصادر في 8 حزيران/يونيو 1959 لمكافحة الجدري، والقانون الصادر في 20 حزيران/يونيو 1957 المتعلق بالمجذومين، والمرسوم الاشتراعي 133 (12 حزيران/يونيو 1959) لمكافحة الأمراض الإنتقالية، والمرسوم 9810 (4 أيار/مايو 1968) المتعلق برسوم الحجر الصحي وتحديد تكاليف بعض الإجراءات الضرورية، والمرسوم 9809 (4 أيار/مايو 1968) المتعلق بفرض التلقيح الاجباري ضد شلل الاطفال. لكن الأمر المُستهجَن والمستغرب أنه وبوجود كل هذه النصوص لم يتم الإستعانة بأحكامها في تنظيم مكافحة الوباء المستجد والطارئ من قبل حكومتنا الى الآن، او حتى قيامها بوضع وقوننة اجراءات قانونية مشابهة تتصف بالصفة الإلزامية، وتفرض عقاباً على مخالفة أحكامها .

كذلك الأمر وبشكل غريب لم يتم العمل بموجب النظام الصحي الدولي رقم 2 (المُوقَّع في جنيف في 25 أيار/مايو 1951 والمصادق عليه من قبل لبنان في 10 آب/أغسطس 1955)، إضافة الى أن الإجراءات الصحية والإدارية المعمول بها حالياً لم تلتزم أيضاً بمواد وأحكام القانون المتعلق بالأمراض المعدية (31 كانون الأول/ديسمبر 1957)، والذي عرّف الأمراض الانتقالية بأنها التي تنتقل من المريض أو من السليم الحامل للجراثيم (إنساناً كان او حيواناً) الى الأصحّاء مباشرة أو بالواسطة والتي تتخذ أحياناً الشكل الوبائي. وهو حدّد كيفية مكافحة هذه الأمراض من خلال إجراءات تُطبَّق بصورة منفردة او مجتمعة وهي: الإخبار، عزل المصابين، عزل المخالطين، العلاج الواقي للمخالطين، التبخير والتطهير، التحرّي عن مصدر العدوى، تصحيح البيئة، التثقيف الصحي العام. علماً أن هذا القانون ألزم كذلك الجميع، من رب العائلة او الوصي أو مختار المحلة او مدير المؤسسة الصناعية أو التجارية وصولاً إلى الحكومة.

وتنص المادة العاشرة من قانون وزارة الصحة أيضاً أنه عندما يتخذ المرض الإنتقالي شكلاً وبائياً في قرية أو مدينة أو منطقة، أن تُقيم نطاقاً صحّياً على المكان الموبوء، وتمنع الدخول اليه أو الخروج منه والتجمعات فيه. كما نصّ الفصل الرابع من قانون الأمراض المعدية على تجريم ومُلاحقة كل مَن يُهمِل الإخبار عن أي مرض من الأمراض الإنتقالية، أو يخفي أي حالة عمداً أو عن إهمال، وكل من يُخالف أو يُعرقل تدابير العزل وسائر التدابير الوقائية. وأجاز لوزارة الصحة ملاحقة المخالفين امام القضاء، ونص على إنزال عقوبات تتراوح بين الحبس والغرامة بحق مرتكبي هذه الجرائم، وهي أحكام قد يتعذّر تطبيقها أحياناً في ظل عدم تعديل لائحة الامراض الإنتقالية. لذلك يستدعي الامر المباشرة، وفوراً، بورشةٍ لإدارة الأزمات بكل معنى الكلمة والشروع في التشريع والقوننة بسرعة واعتماد المواد القانونية اللازمة .

إزاء هذا الواقع المُضطرب والمُقلق، لا بديل لنا إلّا في العودة الى التعقل والروية والإمتثال، والأساس في ذلك هو في تطبيق القوانين والتقيد بها وليس بشكل اختياري بل الاجباري الملزم والمُتشدّد، والذي لا يصح إلّا من خلال الفرض التام والشامل لحالة الطوارئ وليس بالتعبئة العامة، حيث ان الثغرة والتي تمكّن منها الوباء من الإنتشار وتسجيل انتصاراته على البشرية هي في غياب الإهتمام وعدم الإكتراث وورفض العزلة، فاستمرارية الافراد في حركتهم المعتادة هي التي كانت في الوقت ذاته الفخ القاتل. لذلك علينا في العزلة والحد من اتصالنا المجتمعي غير الملح حرصاً وخوفاً على بعضنا البعض. نحن في لبنان بلد متواضع الإمكانات نرزح تحت أعباء ومشاكل جمة سياسية واقتصادية، ناهيك عن مستشفياتنا الفقيرة وعن الإنخفاض في المعدات والالات والتجهيزات الطبية الضرورية لمكافحة الوباء. لذلك لا سبيل الا في حظر التجوال، وفرض حالة الطوارئ، وهي الحالة التي تساعد ايضاً الجسم الطبي بطريقة ناجعة بتقليل الضغط عليهم.