العميد المتقاعد طوني مخايل- السيادة بين النفط والسلاح

  • شارك هذا الخبر
Thursday, March 19, 2020

السيادة بمعنى الحقيقي للكلمة هي الحق الكامل للسلطة الحاكمة على نفسها وعلى قراراتها دون أي تدخل من دول او منظمات خارجية، ومن هذا المنطلق فإن جميع الدول حتى في العصر الحديث لم تعش في ظل هذا المفهوم المجرد للكلمة وكان منسوب السيادة متفاوت فيما بينها، فبعض الدول كانت تمارس السيادة المطلقة داخل حدودها وبقي سلوكها وعلاقاتها الخارجية مرتبطة بدول أخرى وبالتالي كانت سيادتها الخارجية منقوصة، والبعض الآخر كان في ظل إحتلال عسكري من جيش خارجي إختلفت تسميته مع الزمن، فتارة كان يُسمى إستعمار واحياناً انتداب او وصاية ولذلك لم يتمتع بالسيادة لا الخارجية ولا الداخلية، ومع بروز ما يُسمى بالعولمة بقيادة الشركات المتعددة الجنسيات والمؤسسات المالية العالمية عاشت الدول وخاصة النامية منها مرحلة من نقص السيادة على صعيد قراراتها الاقتصادية والمالية التي تنعكس بصورة تلقائية على سيادتها السياسية ودون الحاجة للإستعانة بالجيوش.
منذ زمن الفراعنة والاشوريين والبابليين والفرس والرومان والعثمانيين الى الانتداب الفرنسي والاحتلال الإسرائيلي والوصاية السورية لم يعش لبنان في ظل السيادة الكاملة على الصعيدين الداخلي والخارجي، ومنذ خروج الجيش السوري في العام ٢٠٠٥ لاحت في الأفق اللبناني بوادر الاستقلال والسيادة والقرار الوطني الحر، ولكن سرعان ما تلاشت هذه الآمال في ظل الانقسام السياسي الداخلي بمختلف طوائفه ومستوياته بين محورين، المحور السعودي والمحور الإيراني، وكانت لكل جهة قناعاتها ومبادئها ومبرراتها في إختيار محورها، فالطرف المؤيد للسعودية حجته الرئيسية كانت الانتماء والوحدة العربية على الصعيد الخارجي والحاجة المادية للمساعدات المالية الخليجية واستثماراتها في الداخل اللبناني وتأثيرها الايجابي على النمو الاقتصادي، اما الطرف الاخر والذي يُشكل حزب الله القسم الأساسي منه فكان يُعَّول على المساعدة العسكرية الايرانية في معركته ضد الاحتلال الإسرائيلي وتحرير الأراضي اللبنانية التي يُسيطر عليها، هذه كانت الأسباب الرئيسية "المُعلنة" لهذا الاصطفاف ومن الطبيعي وبمرور الزمن ان تتناسل هذه الأسباب وتولد المزيد منها وهذا ما عمَّق الانقسام على مختلف الأصعدة السياسية، الاقتصادية والاجتماعية وكبَّل الدولة وانتقص من سيادتها الداخلية والخارجية على السواء.
منذ العام ٢٠٠٦ وحتى يومنا هذا عايش لبنان عدة أحداث وطنية كان من المفترض ان تُزيد من مستوى السيادة الداخلية لو تم التعامل معها بروح وطنية خالصة وبعيدة عن الحسابات الخارجية، ومن المرتقب خلال السنين القادمة أن يواجه ايضاً إستحقاق إقتصادي (محوره الغاز والنفط في مياهه الإقليمية) يرفع من منسوب السيادة في حال تمت هذه المواجهة بصورة حكيمة وشفافة.
الحدث الاول:
بتاريخ ١١/٨/٢٠٠٦ صدر القرار ١٧٠١، وافقت عليه الحكومة اللبنانية بكافة أطرافها، ودعَّى هذا القرار الى وقف العمليات القتالية بين لبنان والعدو الإسرائيلي ، وإخلاء المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني من أي قوى عسكرية غير القوات المسلحة اللبنانية وقوات الامم المتحدة، وبالتالي فإن موافقة حزب الله على القرار ١٧٠١ وخاصة فيما يتعلق بوجوده المسلح عززت من تبني الوسائل السياسية والدبلوماسية إسلوباً لتحرير ما تبقى من الأراضي المحتلة( مزارع شبعا، تلال كفرشوبا، والقسم الشمالي من قرية الغجر).
الحدث الثاني:
بتاريخ ٢٢/٩ /٢٠٠٦ صرَّح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بما يلي:"نحن لا نقول ان هذا السلاح سيبقى الى الابد وليس منطقياً أن يبقى الى الأبد، هذا السلاح لا بد له من خاتمة ومن نهاية، المدخل الطبيعي أن نُعالج الأسباب فتنتفي النتيجة، تعالوا لنبني دولة قوية عادلة تحمي الوطن والمواطنين وارزاقهم ومياههم وكرامتهم وستجدون إن حل مسألة المقاومة لا تحتاج الى طاولة حوار".
الحدث الثالث:
في العام ٢٠١٧ تم دحر الإرهابيين من لبنان من قبل الحيش اللبناني وحزب الله وأصبحت المناطق السورية المتاخمة للحدود الشرقية والشمالية اللبنانية خالية من الإرهابيين، وهذا ما أعطى الساحة اللبنانية المزيد من الإستقرار الأمني، ولكن من جهة أخرى قدَّم لخصوم الحزب في الداخل الحجج الإضافية للمطالبة بالبحث بموضوع سلاحه وتأثيره على السيادة الداخلية.
الحدث الرابع:
في كانون الثاني من العام ٢٠٢٠ أعلن الرئيس حسان دياب تشكيل حكومته والتي تضم وزراء مستقلين ووزراء تمت تسميتهم من قبل تحالف ٨ أذار والتيار الوطني الحر، وبذلك تكتمل الدولة بمؤسساتها الدستورية الرئيسية ( رئاسة الجمهورية، مجلس النواب، مجلس الوزراء) التي تؤيد حزب الله وتُعتبر سنداً وقوة له في مواجهة خصومه في الداخل والخارج.
الحدث الخامس:
في العام ١٩٢٦ أصدر المفوض السامي الفرنسي في لبنان هنري دو جوفنيل تشريعاً أجاز فيه التنقيب عن مناجم النفط والمعادن وإستثمارها وإستخراجها، وفي العام ٢٠٢٠ وبعهد الرئيس ميشال عون بدأت شركة توتال الفرنسية بالتنقيب في المياه الإقليمية اللبنانية بحثاً عن هذا الكنز المفقود المعلوم، التدخلات السياسية المحلية والإقليمية والدولية أضف اليها الاطماع الشخصية عند أهل السلطة من اللبنانيين منذ ذلك الحين مع فترة الحرب الاهلية، كل هذه العوامل حرمت الشعب اللبناني من هذه الثروة الراكدة في قعر بحرنا منذ ما يقارب القرن من الزمن، فاذا صدقت الأبحاث والدراسات الأولية فإن لبنان سينتسب الى نادي الدول النفطية خلال بضعة سنوات وهذا ما سيؤدي حُكماً الى نمو في الإقتصاد وإزدهار على المستوى المالي والجتماعي (اللهم اذا أنْعم علينا الدهر بطبقة حاكمة صالحة).
الحدث الدائم والراسخ:
إن العقيدة العسكرية للجيش اللبناني تُحدد العدو الإسرائيلي بالخطر الأول على الكيان اللبناني وتعتبر محاربة الإرهاب جزء أساسي منها، وقد استندت لتبني هذه المبادىء على التوافق السياسي والشعبي في تحديد هذين العدوين، وبالتالي فإن توجهات وأهداف القيادة العسكرية في الجيش هي إمتداد لهذا الشعور الوطني ولقناعة راسخة لديها بهذه العقيدة.

هل الأحداث الأربعة مضاف اليها الحدث الدائم والراسخ كافية وتُلبي تطَّلعات وآمال الذين ينحازون الى المحور الايراني وخاصة الحزب (المرتبط بهذا المحور إرتباطاً وثيقاً عقائدياً ومادياً) في بناء الدولة القوية التي تحدث عنها أمينه العام وبالتالي تنتفي الحاجة الى السلاح وينتظم الحزب كلياً في الحياة السياسية اللبنانية كغيره من الأحزاب وتصبح تطلعاته وتوجهاته داخلية فقط مما يؤدي الى ارتفاع في درجات السيادة الداخلية ، مع الأمل في حصول ذلك على أن لا تكون تجربته في الحكم مُماثلة لأقرانه من الأحزاب اللبنانية.
هل الحدث الخامس في حال صَحَّت التوقعات والدراسات سيُقْصي أهل الطرف الآخر عن حليفهم السعودي ويُطفىء آمالهم ومبتغاهم بالودائع والمكارم الخليجية وبذلك تتزايد وربما تكتمل على الأقل مفاهيم السيادة الداخلية.
أي وطن رائع يمكن أن يكون هذا الوطن، لو صدق العزم وطابت النفوس وقل الكلام وزاد العمل. (قول قديم عن الوطن)