محي الدين الشحيمي - البحث عن مستقبل الرأسمالية

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, March 18, 2020


يختلج عالمنا في هذه الفترة حالة من عدم الثبات والتوازن في التكامل نتيجة للمشكلات النوعية المتفرقة على شكل أزمات مجالية متنوعة خلقت الذعر والخوف على المستقبل ومنه، معرّضة الأمن العالمي بأكمله إلى الخطر، وناشرة بذلك جواً من انعدام الثقة.

في عالم اليوم، يتقاسم سكان الأرض جميعهم الضحايا منهم أو الجلّادين كلّ الأزمات والمشكلات سواء السياسية والقانونية أو الاقتصادية والمالية والصحية، والتي تصبّ في حوض واحد يحمل طابعاً إنسانياً. وقد بات استمرارها مسألة محفوفة بالمخاطر، ذلك أن ضحاياه يدفعون الثمن قبل جلّاديه.

ولتدارك ما سبق، يعكف العديد من المنتديات العالمية وأهم مراكز الأبحاث الحكومية وغير الحكومية إضافة إلى كبرى منصات التأثير الدولية إلى دراسة واكتشاف الأنماط الجديدة والابتكارية التي من الممكن أن تشكّل العصب المركزي في قيادة العالم الجديد، خصوصاً بعد سلسلة الأحداث المهمة والمصيرية الطارئة، إذ بتنا على مقربة من التغيير السياسي والاقتصادي والتجديد للأنظمة والعقود الاجتماعية، الأمر الذي يحتم علينا أن نكون مستعدين لهذا التغيير، وفي هذا الإطار يمكن اعتبار منتدى دافوس العالمي أحد هذه المنتديات الفاعلة على طريق التغيير، إذ لا يمكن النظر إليه من زاوية أنه ملتقى عادي وروتيني أو كجلسة قهوة صباحية، بل باعتباره نهجاً تحفيزياً كمنصة مركزية وأساسية لحل المشكلات وتذليل العراقيل التي تعترض الدول على مستوى العالم.

فدافوس ليس مجرد مؤتمر يعقد لأسبوع واحد مرة في سنة بل إنه عمل استمراري ودؤوب على مدار العام بملفات ساخنة يتم حلها، كما يؤشر في الوقت نفسه إلى الخلافات التي قد تقع بين الدول.

نقاش للنظام القانوني الاقتصادي
وانطلاقاً مما تقدّم، لا شك أن رياح الأزمات المالية والاقتصادية العالمية هي في ازدياد، وهذا ما دفع بكل تجرد إلى إعادة الحديث والبحث في التجديد الكمي للنظام القانوني الاقتصادي وفي مستقبل الرأسمالية الحالية. وبغض النظر عن الجدلية القائمة حولها (الرأسمالية) فإن التطرق إلى مستقبلها لا ينبغي أن ينطلق فقط من فشلها في خلق نظام مميز، بل أيضاً من ناحية عدم تطبيقها العملي واستعمالها في شكلها الصحيح، فقد باتت فوائد الديون أكثر من التكاليف، وتلك هي الخطورة والضبابية حول توصيف المستقبل، لأن ذلك يضعنا أمام امتحان لتحديث النظام الاقتصادي السياسي باعتبار أن نموذجه الحالي لا يتعدى كونه اجتماعاً لأصحاب المصالح، وهنا علينا أن نتفادى الزلّات السياسية التي قد تؤثر سلباً على الاقتصاد الضعيف أصلاً بفعل المخاطر الجيوسياسية المحدقة.

وفي ظل الواقع الراهن، يجب علينا أن نعطي الأولوية والأهمية لمواردنا الأساسية والعمل على تنظيم وترتيب اقتصادنا، وأن نبتعد نوعاً ما عن النظام القانوني الموحد للاقتصاد باعتبار أن ما يميزنا ليس متشابهاً بل مختلفاً، وهنا علينا إدارة الاختلاف من أجل الاستفادة من الفروقات القائمة والبناء عليها، ذلك أن كل دولة ومنطقة وبقعة في العالم تختلف وتتمايز عن الأخرى من حيث الشكل والمضمون، وكذلك لجهة الأداء ونوعه وكمه، فالتعميم لا يمنح النتيجة نفسها. على سبيل المثال، إذا كان أمامنا طبق من الطعام على الطاولة وهناك مجموعة من المدعوين لتناول الطعام فعلينا أن نكون متحضرين وجاهزين لأن نسمع شهادات مختلفة ومتنوعة من الناحيتين الإيجابية والسلبية بحسب تنوع الرغبات والآراء، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بالأنظمة والقوانين والنظريات، هل يمكن تعميمها؟

اندماج وتوّحد أم العكس؟
إن النجاح متوقف على مدى تفاعل الأرض والجمهور مع المشروع والنشاط والآليات، إذ إن إحدى أبرز المشكلات في عصرنا هي في أننا نحاول التعميم والتوحيد لمشاريعنا بشكل سطحي واحتكاري وذلك أمر غير صحي، فليس الكل متجانساً ومتشابهاً لكي تكون النتيجة موحدة ومرضية، فما نشهده اليوم هو معارضة ذاتية ولا إرادية من الذين يدافعون عن عمقهم وثقافتهم بطريقة غير إرادية وغريزية نتيجة لردّة فعلهم وتعارضهم لفكرة الوحدة الكلية، فتلك المواجهات قد تخلق امواجاً عاتية ولا مناص من حالتين مصيريتين، إما الحرب للتوحد والاندماج التام وإما الحرب لمعارضة هذا الاندماج .

ختاماً، فإن الاعتماد على اقتصاد الموارد يرتكز بشكل منظم على موارد كل مجال ومكان وما تنفرد به، فلا توجد موارد موحدة بل متميزة ومتمايزة، فالخلل على سبيل المثال في تطبيق الديمقراطية وليس في فلسفتها، فإذا استطعنا أن نقدم فكرة الديمقراطية وتفعيلها النظري والعلمي والعملي في معظم الدول والبلدان، ولكن لم تكن نتائجها واحدة من حيث (الحرية والمساواة والوحدة والتناغم والتآلف والقوة الاقتصادية والدين العام والانصهار الاجتماعي)، فإنها لن تكون ذاتها حيث أن الديمقراطية واحدة ولكن الديمقراطيين مختلفون.

* د. محي الدين الشحيمي باحث في القانون وسلوكيات الحوكمة الاستراتيجية.