كمال ذبيان - العفويـّة سقطت عن «الحراك الشعبي»... فظهرت له أطر تنظيميّة

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, February 26, 2020

لم يكن مضى على قرار الحكومة السابقة برئاسة سعد الحريري، ساعات قليلة، على وضع رسم على التخابر عبر «الواتساب»، حتى كان حراك في الشارع، بدأ في المشرفية وطريق المطار، مع رفض «حزب الله» لهذا الرسم، لينتقل بعده باتجاه وسط بيروت، من قبل شبّان وطلاب ومواطنين، ابدوا غضبهم على هذا الرسم في ظل اوضاع مالية واقتصادية واجتماعية صعبة، اذ كانت بوادر الازمة قد بدأت تطلّ في اكثر من قطاع، فكان الانفجار الشعبي في 17 تشرين الاول.
ثم وصف خروج المواطنين الى الساحات والشوارع، للمطالبة بوقف الهدر ومحاربة الفساد، بانه عفوي، اذ تجمع المنتفضون ضد السلطة السياسة الحاكمة منذ ثلاثين سنة، ما بعد اتفاق الطائف، التي اوصلت لبنان الى هذا الانهيار، بفعل سياسات مالية واقتصادية خاطئة، اثقلت الدولة بالديون التي قاربت مئة ملياردولار، وبخدمة دين بكلفة عالية، على اقتصاد ريعي، رفع البطالة في صفوف الشباب والخريجين منهم الى 40%، واظهرت الاحصاءات ان 35% من الشعب اللبناني يعيشون عند خط الفقر، و10% منهم في فقر مدقع.
هذا الوضع المالي والاقتصادي والاجتماعي، اخرج المواطنون في كل لبنان الى التظاهر والاعتصامات، وتركز الحراك في بيروت وصيدا وصور والنبطية وبعلبك وزحلة وطرابلس وحلبا، وجرت عمليات قطع للطرقات العامة عند طول الخط الساحلي في عدد من المناطق على طريق الجنوب والشمال والبقاع وعاليه، وقدر عدد المواطنين الذين استجابوا مع هذا الحراك الذي اتخذ اسماء متعددة بنحو مليون، والبعض تحدث عن مليونين، واكثر او اقل، حيث ظهر تأييد شعبي لحراك لم يعرفه لبنان، الا في مراحل محددوة، منها ما هو قريب، عندما حصل تحرك في موضوع النفايات في تموز 2015، لكنه وُلد ميتاً، ولم يصل الى اهدافه، وانسحب منظموه من الساحات والشوارع، وكان حصل في العام 2012، تنظيم لمسيرات تطالب باسقاط النظام الطائفي في العام 2012.، تزامنت مع ما سمي «الربيع العربي» في عدد من الدول العربية، لكنها لم تدم سوى اسابيع قليلة.
والحراك الذي بدأ عفوياً، ومن دون قيادة وبرنامج، سوى شعارات لمطالب متعددة، عرف في بداياته زخماً شعبياً، ليبدأ بالانسحار، بعد ان تم استنفاد كل وسائل المواجهة، من قطع طرقات، الى مشاركة طلاب المدارس والجامعات، والتظاهر امام المقرات الرسمية، والتوجه الى منازل وزراء ونواب، ولم يتقدم احد في هذا الحراك الى توليد قيادة منه وبرنامج محدد، ووضع آليات لاسقاط الطبقة السياسية الفاسدة، وفق من كانوا في طليعة المشاركين في الحراك، الذي كانت مطالبه متعددة، من حملة جنسيتي الى حضانة الام المطلقة لاولادها، والى استعادة الاموال المنهوبة واسقاط النظام واجراء انتخابات نيابية مبكرة واستقلالية القضاء، واعتبار كل من تولى السلطة منذ العام 1990 فاسداً تحت شعار «كلن يعني كلن».
وبعد مضي اكثر من اربعة اشهر، بدأ من في الحراك، يفتش عن آليات للتنسيق، فولدت قبل حوالى الشهرين، «هيئة تنسيق الثورة»، وتضم نحو 75 تجمعا ومجموعة مناطقية او قطاعية، وقد تمكنت هذه الهيئة من ان يكون لها حضور على الارض، واصدار بيانات دورية حول سير عملها، وفق ما يقول احد مؤسسي هذه الهيئة التي شهدت ايضاً اختلافات في وجهات النظر بين مكوناتها حول المواجهة والمهادنة، وهذا امر طبيعي مع قوى وتيارات متعددة الانتماءات والاهداف.
ولم يخرج احد في الحراك، يتبنى قيادته له، او يفرض برنامجه، وهذا الوضع قد يكون سبب تناقضات داخله، اذ اصبحت ساحات رياض الصلح واللعازارية والشهداء، اشبه بـ«كانتونات مطلبية»، يجمعها شعار فساد السلطة وضرورة تغييرها، لكن لم يتم التوافق لا على الاولويات والآليات والمرحليات، وفق مراقب مطلع على ما كان يحصل في الساحات سواء في بيروت ام في المناطق، بحيث كان الوجود الحزبي فيها متقدماً، من دون اعلام حزبية او شعارات، وباتت مناطق الحراك مصبوغة بأحزاب منها من كان في السلطة، فكان اقفال طريق الساحل من جل الديب الى جبيل مروراً بالذوق، ينسب الى «القوات اللبنانية»، او اقله لعناصر منها، وكذلك الامر في مناطق اخرى لها نفوذ فيها، وهو ما ينطبق على «تيار المستقبل»، الذي كان يحرك عناصره ومناصريه في بيروت (الكولا - المدينة الرياضية - قصقص)، او في الناعمة وخلده وبرجا وسعدنايل وطريق المصنع، او في بعض مناطق الشمال، والامر نفسه مارسه الحزب التقدمي الاشتراكي ولكن بتحرك اقل، وقد نسب لاعضاء فيه، قاموا من تلقاء أنفسهم بالمشاركة في الحراك.
وهذا الارتباك الذي رافق الحراك، الذي ظهر دون اب وام له، بدأ يكشف عن وجوه مشاركين فيه، وأظهر الحزب الشيوعي وقوى يسارية وحزبية، حضوراً في هذا الحراك، وقد جاء انعقاد اللقاء في مسرح المدينة في الحمراء، ليكشف عن طغيان بعض الاحزاب التي هي خارج السلطة في هذا الحراك، لا سيما القوى اليسارية، وفي مقدمها الحزب الشيوعي الذي نظم اللقاء، وكان له الحضور الأوسع تحت عنوان «ائتلاف قوى التغيير»، والذي شارك فيه التنظيم الشعبي الناصري برئاسة اسامة سعد، والحزب الديمقراطي الشعبي، والحركة الوطنية للتغيير الديمقراطي وندوة العمل الوطني، و«حزب الطليعة العربي» (جناح البعث العراقي سابقا)، اضافة الى شخصيات وطنية وسياسية وفكرية واعلامية وهيئات نقابية ومن المجتمع المدني.
هذا اللقاء، لا يمثل الحراك، لكنه سعى الى تجميع اكبر عدد ممكن من قوى تؤمن بالتغيير الديموقرراطي واقامة دولة ديموقراطية علمانية، بحيث تبقى خارجه قوى اخرى كحركة الشعب التي اسسها نجاح واكيم ومواطنون ومواطنات في دولة برئاسة شربل نحاس وحركة النهضة السورية القومية الاجتماعية التي أعلنت انفصالها عن الحزب القومي برئاسة فارس سعد حالياً، اضافة الى مشاركة الحزب السوري القومي الاجتماعي برئاسة علي حيدر، حيث تجري اتصالات الى ضم هذه القوى في اطار سياسي واسع.
ومع اعلان اطر تنظيمية للحراك فان ظاهرة العفوية سقطت عنه، وبات له واجهات قيادية، تظهر في وسائل الاعلام لا سيما المرئية منها، وهو ما يضع على عاتق اطرافه المتنوعة مسؤولية الوصول به الى نتيجة في ظل تفاقم الاوضاع المالية والاقتصادية والمعيشية للمواطنين.