وردية بطرس-هذا ما يقدمه مركز سرطان الأطفال في لبنان

  • شارك هذا الخبر
Thursday, January 23, 2020


بقلم وردية بطرس


استطاع مركز سرطان الأطفال في لبنان ان يقدم العلاج المجاني لأكثر من 1650 طفلاً على مدى 17 سنة بالرغم من كل الظروف الصعبة التي مر بها البلد. وهذا المركز لا يشبه اي مركز فهو يبعث الهدوء والطمأنينة والأمان للأطفال الذين يتلقون العلاج فيه، ومن يزر المركز يدرك ذلك تماماً اذ ما ان يدخل المركز ينتابه هذا الشعور، كما ان الألوان الجميلة الفرحة للحيطان والأثاث تبعث الفرح، وأيضاً البسمة الملائكية للأولاد الذين يأتون للعلاج ونظرات الأهل المليئة بالأمل كلها تزيد من هذا الشعور، وطبعاً بفضل جهد وايمان جميع العاملين داخل المركز تتحقق أهداف المركز. وهذا النجاح الذي حققه المركز منذ تأسيسه في العام 2002، رتّب عليه مسؤولية كبيرة هي مسؤولية الاستمرار أولاً وخصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يشهدها لبنان والمنطقة العربية عموماً، ومسؤولية تعزيز قدراته وامكاناته بما يتيح له رعاية المزيد من الأطفال من دون اي تمييز ومن دون تحميل أهلهم اي كلفة.

وكان مركز سرطان الأطفال في لبنان قد أعلن اطلاق صندوق انقاذ يهدف الى جمع عشرة ملايين دولار لتوفير العلاج من دون مقابل لنحو 300 طفل مصاب بداء السرطان خلال سنة 2020، محذّراً من ان تأمين العلاج للحالات الجديدة من الأطفال المصابين قد يتعذّر عليه في حال عدم تلقيه الدعم المطلوب نظراً الى تراجع مداخيله المالية خلال السنتين الاخيرتين 2018 و 2019 بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية ورغم تكثيف الجهود لزيادة التبرعات وحصر النفقات، وقد عانى المركز خلال سنة 2019 عجزاً يفوق المليونين ونصف المليون دولار في موازنته.

وأشار المركز الى انه اتخذ منذ 17 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي كل الاجراءات اللازمة لتمكين الأطفال المرضى من الوصول الى المركز بأمان رغم الصعوبات العديدة، بغية الاستمرار في تلقّي جرعات العلاج، وذلك من خلال الاستعانة بسيارات الاسعاف التابعة للصليب الأحمر اللبناني مشكوراً، او من خلال تأمين الاقامة لهم على مقربة من المركز. وأكد المركز انه يتابع تأمين كل العلاجات للأطفال وتغطية كل تكاليفها مجاناً رغم التدهور الكبير خلال الشهرين الأخيرين، وذلك بفضل تفاني أعضاء مجلس الأمناء والتزام أعضاء فريق العمل، مع الحرص في الوقت عينه على ان يشعر الأطفال المرضى مع عائلاتهم بأنهم في أمان وسلامة. وان المركز يعالج منذ تأسيسه قبل 17 سنة من دون اي تمييز نحو 300 طفل مصاب بداء السرطان من لبنان والمنطقة يشكلون 40 بالمئة من مجمل حالات سرطان الأطفال في لبنان، وان نحو 80 بالمئة من مداخيله تأتي من لبنان، مما يعرّضه مع تفاقم الأوضاع المالية الى انخفاض الدعم الذي يعّول عليه المركز لمتابعة رسالته النبيلة.

مديرة جمع التبرعات نسرين طنوس وأسباب تأسيس المركز!



فكيف استطاع المركز ان يواصل رسالته النبيلة على مدى 17 سنة في ظل الظروف الصعبة التي مرّ بها لبنان؟ وما هي التحديات التي يواجهها؟ وغيرها من الأسئلة حملتها <الأفكار> الى مديرة جمع التبرعات الانسة نسرين طنوس لتشرح لنا عن وضع المركز من جميع النواحي ونسألها أولاً:

ــ متى تأسس مركز سرطان الأطفال في لبنان؟ ولأي أسباب تأسس؟

– تأسس مركز سرطان الأطفال في العام 2002 وبالتحديد كان يوم الافتتاح في 12 نيسان (أبريل). يعمل المركز بناءً على اتفاقية مع مستشفى السان جود للأبحاث في ولاية <ممفيس تينيسي> في الولايات المتحدة الأميركية والمركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت. اذ انه في وقت كان فيه الشفاء من داء السرطان أمراً مستعصياً، أراد <داني توماس> توفير ما يلزم لكل طفل في الولايات المتحدة وأهله ليتمكنوا من الحلم بالشفاء من داء السرطان وذلك بالحصول على أفضل علاج وبشكل مجاني ومن دون أية تفرقة لا عرقية، ولا مذهبية، ولا جنسية. ومع سعيه وتحقيقه لهذا الأمر، أراد <داني توماس> تحقيقه أيضاً لأبناء بلده الأم، لأبناء وطنه الحبيب لبنان، الذي بقيت له مكانة خاصة في قلبه رغم سنوات الهجرة، ولطالما ردد <داني توماس>: <من نكر أصله لا أصل له>. لذلك وبالرغم من وفاة <داني توماس> في التسعينات، حرص أصدقاؤه وعائلته على تحقيق الحلم وبالتالي تعاونوا وعبر الاتصالات الى ان تحقق هذا الأمر من خلال نشأة جمعية مركز سرطان الأطفال وبالتالي تحققت الشراكة الثلاثية التي نوهّنا بها بداية والتي تهدف الى تأمين أفضل العلاج في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت ممولاً بشكل تام من جمعية مركز سرطان الأطفال مع تطبيق أحدث البروتوكولات الطبية في مستشفى السان جود للأبحاث والتي حققت معدل نسبة شفاء يصل الى 80 بالمئة.

شعار مؤسس المركز <داني توماس>!




ــ توجد في أحد أروقة المركز لوحة تذكارية لتخليد ذكرى السيد <داني توماس> مؤسس مستشفى السان جود في <ممفيس> في الولايات المتحدة الذي يتبع له المركز، وكتب عليها شعاره <لا يجوز ان يموت طفل في فجر الحياة> فهل استطاع المركز ان يحقق هذا الشعار النبيل منذ تأسيسه لغاية اليوم؟

– ان مجلس أمناء المركز لطالما حرص منذ يوم التأسيس على عمل كل ما يلزم من خلال الاستراتيجيات المتبعة لتحقيق ذلك، فالمركز يوم تأسيسه كان يطمح لتأمين العلاج المجاني لـ30 طفلاً في العام الواحد، أما اليوم فالمركز يستقبل حوالى 130 حالة جديدة سنوياً مع العلم ان معدل مدة العلاج يبلغ 3 سنوات، وبالتالي عبر السنوات الـ17 الماضية قدم المركز العلاج المجاني لأكثر من 1650 طفلاً، الى جانب تقديم المساعدة لعدد كبير من الأطفال الذين يتلقون العلاج في مستشفيات أخرى ان عبر الأدوية النادرة او بعض العمليات الجراحية الدقيقة، كما ان المركز يحرص على تعميم البروتوكولات الطبية الحديثة على جميع المستشفيات المتعاونة. وفي هذا الاطار فقد أطلق المركز في العام 2019 خطة تعاون ما بين المستشفيات والجمعيات التي تُعنى بمرضى السرطان، وذلك بغية تحسين ظروفهم والتعاون لبلوغ خبرات أمتن في هذا الشأن… أيعني هذا أننا فعلاً بلغنا أو حققنا مقولة <داني توماس>؟ طبعاً لا اذ ما زال أمامنا الكثير من العمل غير اننا على السكة الصحيحة باذن الله.

خدمات المركز!



ــ وما هي الخدمات التي يقدمها المركز؟ وكم يستوعب المركز من حالات سنوياً؟

– يشدد المركز على أحقية كل مريض بعلاج متطور وصون كرامة كل منهم وأهمية جعل تلك التجربة أسهل على المريض وعائلته، فعلاقة المريض بالمركز لا تقتصر فقط على العلاج وانما هي رحلة متكاملة للتغلب على مرض السرطان ويتم ذلك من خلال تأمين العلاج المجاني، الأدوية، العمليات الجراحية… الى جانب المتابعة الطبية على مدى 5 سنوات ما بعد انتهاء العلاج اي ان المركز يعنى خلال فترة العلاج بتأمين جو نفسي مريح، ويتابع الأطفال وأهلهم اختصاصيون يعملون على متابعة الحالة النفسية لكل منهم الى جانب الارشاد المستمر والتحضير النفسي قبل كل مرحلة، كما يعنى المركز بتأمين نشاطات ترفيهية علاجية من موسيقى او رسم والعديد من النشاطات الأخرى التي تتطلب في بعض الأحيان الاستعانة بالخبرات التقنية والتكنولوجية الحديثة، كما يركز المركز على أهمية نشر الوعي وتثقيف المجتمع ويتم ذلك من خلال ندوات في العديد من المناطق الى جانب تعاون وسائل الاعلام لبلوغ هذا الهدف، ويستقبل المركز سنوياً حوالى 130 حالة جديدة ويبلغ مجمل عدد المرضى في كل عام حوالى 300 طفل.

تكاليف العلاج!

ــ وكيف استطاع المركز تحمل تكاليف العلاج في بلد مرّ ولا يزال يمر بأزمات اقتصادية ومعيشية؟

– فعلاً ان لبنان يعاني الكثير من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي مما جعلنا نعمل بالتالي بالكثير من الجهد والتنويع والابتكار لبلوغ الهدف، فمهمتنا تواجه الكثير من التحديات، وان المركز في كثير من الأحيان وقع تحت عجز، وفي أحيان أخرى استطاع من خلال جهود كبيرة بلوغ 80 بالمئة من تكاليفه جراء عائداته من البرامج التي يقوم بها في لبنان، فعبر السنوات الـ17 الماضية بنى المركز سمعة طيبة ومحقة، ومن خلال انجازاته أثبت احتراف عمله وهو أمر لم يكن مألوفاً جداً في لبنان، اذ فعلاً كان المركز سباقاً، فمن خلال الصدقية التي استحقها عن جدارة ومن خلال ابتكار برامج جديدة ومتنوعة ومقاربة فريدة لجمع التبرعات شكل المركز حالة خاصة مكنته من التميز وبالتالي ساهمت في بلوغه مهمته ان كان من خلال البرامج المحلية ام البرامج خارج لبنان.

التحديات في ظل الظروف الصعبة!




ــ وما هي الصعوبات او التحديات التي يواجهها المركز خصوصاً في الفترة الأخيرة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد؟

– في 17 تشرين الأول (اكتوبر) وعلى مدى الثلاثة أسابيع الأولى بعد عشية يوم الخميس، كان الهاجس في ظل التسكير التام للعديد من الطرقات والمسالك الحيوية تسهيل وصول الأطفال الى المركز لتلقي العلاج، ولقد تم ذلك عبر التعاون مع الصليب الأحمر اللبناني وعبر تأمين غرف في فنادق قريبة لبعض الحالات الدقيقة على نفقة المركز. أما اليوم وبعد فتح الطرقات فالتحدي هو من نوع آخر، ففي ظل الأوضاع المعيشية والاقتصادية الصعبة ونظام التقنين الذي فرضته المصارف اللبنانية وأزمة العملة، يكمن التحدي في ما اذا سيتمكن المركز من تأمين التبرعات اللازمة لاتمام مهمته في وقت ان 80 بالمئة من التبرعات كانت تأتي من داخل لبنان، فيما معدل الكلفة الشهرية في المركز تبلغ 1.1 مليون دولار أميركي. وفي غضون الأوضاع الاقتصادية المتدهورة منذ عامين فلقد قام المركز بتكثيف نشاطاته غير ان الأزمة الكبيرة الحالية رتبّت عليه عجزاً بما يقارب الـ2.5 مليون دولار أميركي لعام 2019، وبتنا في أفق مظلم مجهول. ووفق الاحصاءات الحالية يتم تشخيص حوالى 350 الى 400 حالة جديدة من سرطان الأطفال في كل عام كان المركز يتكفل بحوالى 40 بالمئة منها، وبالتالي الكارثة الكبرى تكمن في عجز المركز عن تحمل ما كان يتحمله في السابق ولذلك نحن نطلق اليوم هذه الصرخة وهذا الصندوق المسمى بـ<صندوق انقاذ مركز سرطان الأطفال>.

حملات التبرع ومواصلة المسيرة!

ــ وماذا عن حملات التبرع؟

– لمركز سرطان الأطفال حملات عديدة ومتنوعة لجمع التبرعات، فميزانية المركز السنوية تبلغ 15 مليون دولار أميركي ولذلك نقوم بالعديد من البرامج والحملات اذ ان الحاجة كبيرة جداً بعكس ما يظن البعض، فالمركز بحاجة مستمرة لدعم الخيّرين وبالتالي وفي ظل الأوضاع الراهنة سنعمل جاهدين على تنفيذ جميع برامج جمع التبرعات لعام 2020 غير انه وبحسب دراساتنا فالمردود لن يكون المعهود ولذلك أطلقنا <صندوق انقاذ مركز سرطان الأطفال> بحيث اننا سنعمل جاهدين على جمع ما يقارب الـ10 ملايين دولار أميركي في هذا الصندوق كي نتمكن من تنفيذ مهمة المركز والتركيز في ذلك سيكون على الأنشطة التوسعية خارج لبنان.

ــ وهل بامكان المركز مواصلة المسيرة التي بدأها منذ سنوات لانقاذ حياة الأطفال المصابين بالسرطان؟

– ان مجلس أمناء المركز يحرص بشكل جدي وبالكثير من الالتزام على الحفاظ على مهمة المركز، وبفضل تفاني أعضاء مجلس الأمناء والتزام أعضاء فريق العمل، لم يتوقف المركز حتى تاريخه عن تأمين كل ما تعهّد به تجاه أطفالنا الأحباء الذين يفوق عددهم الـ300 والذين يشكلون 40 بالمئة من مجمل حالات سرطان الأطفال في لبنان والذين يتلقون العلاج حالياً في المركز، فلهم ولأهلهم منا التأكيد والالتزام أننا على العهد باقون، فهم أولويتنا وأمانهم وصحتهم في الطليعة.

ــ وهل من رسالة يود المركز ارسالها الى المجتمع اللبناني ككل؟

– في ظل هذا الوضع المتأزم على أصعدة شتى نجدد العهد أننا سنعمل جاهدين ولن نخذلهم باذن الله، فالله لطالما أعاننا ونحن نؤمن به ونثق بكرم اللبنانيين المقيمين منهم والمغتربين، كما اننا نأمل دعم الخيّرين ومحبي مركز سرطان الأطفال من جنسيات مختلفة. وانتهز هذه المناسبة لأتوجه باسمي وباسم مجلس أمناء المركز وجميع العاملين فيه بأحر الأمنيات في زمن الأعياد المجيدة أعادها الله عليكم جميعاً بالخير والصحة وراحة البال، كما أتوجه بالشكر لجميع داعمي مهمة مركز سرطان الأطفال، واقول لهم: نحن من دونكم لن نستطيع ان نحقق شيئاً.