رشا الحلبي- هل على اللبنانيين أن يُشهروا سيفاً؟

  • شارك هذا الخبر
Thursday, January 23, 2020

اعتاد اللبنانيون جولات ليلية من المواجهات بين المتظاهرين والقوى الأمنية، منذ اندلاع الانتفاضة في ١٧ تشرين الأول عام ٢٠١٩.

يبدأ المشهد الليلي بوقفة سلمية ثم سرعان ما تتطاير الحجارة باتجاه القوى الأمنية فيبدأ الرد بقنابل الغاز المسيلة للدموع والرصاص المطاطي. جولات تنتهي مع ساعات الصباح الأولى لتعود من جديد في الليلة التالية. وما بين ساعة الصفر لبدء المواجهات وربع الساعة الأخيرة من الجولة، تنهمر تعليقات المتابعين للأوضاع، بين مؤيدة للانتفاضة ومعارضة لها، وبين من يرى أن لا ثورة من دون شغب ومن يحوّل المتظاهرين إلى “مرتزقة” يهدفون التخريب.

لهؤلاء الذين يعيبون أعمال الشغب، أذكرهم بمقولة: “عجبت لمن لم يجد قوت يومه ولم يخرج شاهرا سيفه”.

نعم أرفع هذه المقولة اليوم. فأنا لست “مرتزقة” ولا “حاقدة” على العاصمة أو على الممتلكات العامة ولست “مندسة” ولا مخربة.

أرفع هذه المقولة بعد أن فقد متظاهرون نظرهم بسبب رصاص مطاطي أُطلق على منطقة الوجه وليس على الأرجل.

أرفع هذه المقولة بعد تعرض معتقلين مكبلي الأيدي للضرب المبرح وهم يُقتادون إلى داخل الثكنة العسكرية.

أرفع هذه المقولة بعد تسجيل حالات انتحار عدة لآباء وشبان قرروا التخلي عن حياتهم بعد أن رزحوا تحت ضغط الظروف المعيشية الصعبة.

أرفع هذه المقولة بعد أن شاهدت أطفالا انتظر ذووهم أياما كي يدخلوهم المستشفى لكنهم فارقوا الحياة قبل تأمين المبلغ المالي المطلوب.

أرفع هذه المقولة بعد أن بكى الناس في طوابير الذل أمام المصارف بانتظار سحب أموالهم التي جهدوا لتحصيلها طيلة سنوات، فحرمتهم منها السياسات المصرفية.

أرفع هذه المقولة بعد أن شاهدت صورا لأشخاص يبحثون عن الطعام في مكبات نفايات.

أرفع هذه المقولة بعد أن رأيت المئات يتكسدون في السجون بانتظار محاكمات منذ سنوات طويلة.

أرفع هذه المقولة بعد أن ذُل المواطنون على طرقات طافت جراء تجمع الأمطار وتحولت لمسابح قذرة.

أرفع هذه المقولة بعد أن حرمنا من الأوكسيجين النظيف وبات الهواء عبارة عن روائح انبعاثات من مكبات النفايات العشوائية.

أرفع هذه المقولة بعد أن طال احتكار قطاع الاتصالات من شركات تلزمنا على دفع المئات من الدولارات سنويا للابقاء على رقمنا “شغال”.

أرفع هذه المقولة بعد تزايد الصفقات والسمسرات بمليارات الدولارات في الوقت الذي يعيش فيه البعض بأقل من دولار في اليوم.

أرفع هذه المقولة بعد أن مات شباب في الغربة حيث ذهبوا بحثا عن ظروف عمل أقلها “كريمة” ولكنهم عادوا محملين في نعوش.

أرفع هذه المقولة بعد أن افترشت عائلات الشوارع لأنها طردت من منزلها فهي لا تملك إيجارا ولا سقفا يأويها.

أرفع هذه المقولة بعد أن هُمّشت مناطق وبلدات لبنانية عدة فباتت تحت خط الفقر، لا يتذكرها الساسة إلا في مواسم الانتخابات.

أرفع هذه المقولة لأنه على ما يبدو فإن للبعض ذاكرة ضعيفة والبعض الآخر يعاني ضُعفا في النظر، أو أنهم قرروا اجتزاء أنفسهم من المشهد العام ومتابعة حياتهم اليومية كأن شيئاً لا يحصل.

أرفع هذه المقولة، لأن السكوت جريمة وصداه أكبر من أي شغب.

أرفع هذه المقولة، وأنا أتساءل – بعد كل ما سبق ذكره – هل على من فقد حقوقه الأساسية في الحياة الكريمة وبات إما مشردا داخل وطنه أو قرر الهروب إلى الخارج، هل عليه أن لا يحرك ساكنا تجاه ما يحصل، أم أن المطلوب منه أن يخرج شاهرا سيفه ويستشيط غضبا في وجه حكام جائرين يمضون وقتهم في تقاسم الحصص وتوزيع المقاعد الوزارية؟

لمن يوجه الاتهامات يميناً ويساراً ويرى نفسه أكثر وطنية، عسى أن لا يلوم اليائسين من الوضع ومن الفساد المستشري. عسى أن لا يلوم من يقف في وجه من لا ضمير له ويتحكم بمفاصل حياته. فما السيف الذي أشهره البعض إلا نتيجة لقهر لا يدركون كيفية التعامل معه.

ضعوا أنفسكم مكان هؤلاء. وحينها خوّنوهم، إذا كانوا يستحقون التخوين، أو ادعموهم معنويا – أو لما لا – نتحرك ونشهر السيف معهم، لأجلهم ولأجلنا ولأجل وطننا لبنان.