بعد مرور ثلاثة أشهر على بدء الإنتفاضة الشعبيّة، لا بدّ من تعريف بعض التعابير المستعملة.
الحاكم، هو شخص انتخبه الشعب ليكون بخدمته، لا ليكون نبيًّا وواليًا عليهم، ولا لينصّب نفسه ديكتاتورًا يهمّش صوت الشعب، ولا يسمع إلا صوت مصلحته وطموحه وأحلامه الشخصيّة.
الشعب، هو مصدر كلّ السلطات، هو من يسلّم بعضًا من حقوقه إلى من يراه الأنسب ليمثّله تحت سقف البرلمان.
البرلمان، هو مجموعة من النوّاب يُفترض أن يمثّلوا الشعب، ويقوموا بسَنّ القوانين وتحديثها لتتلاءم مع المتطلّبات المعيشيّة والحياتيّة اليوميّة، ولتؤمّن ديمومة الاستقرار والتطوّر في البلد.
الحكومة، هي السلطة التفيذيّة المولجة بتنفيذ بنود البيان الوزاري الذي هو خارطة طريق وخطّة عمل، نالت على أساسه الثقة.
ولكن، حين تتقاعس الحكومات المتتالية عن القيام بدورها، وتعجز عن تأمين المستلزمات الضرورية للحياة اليوميّة، فترى الشعب ينسحق تحت حمل الضرائب المتراكمة التي تنهش قدرته الشرائيّة فتغيب عن المجتمع اللبناني الطبقة الوسطى لتتضاعف أعداد من هم دون خطّ الفقر حيث ورد في آخر تقرير دولي أنّ ما يفوق 51% من الشعب اللبناني بات جائعًا؛ وحين تنهش الطبقة الحاكمة واردات الخزينة فتفلس الدولة ويترف الحكّام، تعلو عندها أصوات الشعب المطالبة بحقوقه من كهرباء، وماء، وضبط أسعار، وضمان شيخوخة، وضمان صحّي واجتماعي، وهذا حقّ مكتسب في كلّ بلدان العالم.
وحين يصرخ الشعب بمطالبه ويواجَه بالتهميش والقمع، لا بدّ له أن يتّخذ من الثورة خيارًا له.
هذه الثورة التي بدأت سلميّة، وحضاريّة، وراقيّة، حوّلها من بيدهم القرار الى انتفاضة حجارة ومفرقعات نارية. قد يقول أحدهم أنّ السلم الأهلي خط أحمر، وهذا أمر بديهي، ولكن عندما يتملّك الغضب بالشعب، وتزداد نسبة الأموال المنهوبة، ويفلس البلد، ويواجه المعتصمون بالضرب العنيف ما اثار حفيظة المراقبين الدوليين، كيف لنا أن نطلب من شعب مقهور أن يحافظ على سلميّته؛ إنّ الطفل الرضيع يصرخ مرّات عدة ليأكل، وعندما لا يلقى جوابًا من والدته يكسر ما تطاله يُمناه. كفى تهميشًا لإرادة الشعب! مطالب الثورة أو الحراك أو الإنتفاض (سمّوها ما شئتم) باتت واضحة: حكومة اختصاصيين (لا حكومة حزب واحد،، ولون واحد، وتقاسم حصص) وانتخابات نيابيّة مبكرة (بعدما خلع الشعب عن نوّابه الحصانة). وهنا نتساءل، ماذا لو تصرّف حكّام لبنان بطريقة مغايرة، ماذا لو استمعوا إلى مطالب الشعب فخرج المسؤولون ليلعلنوا انتخابات مبكرة (من دون طرح قانون انتخابي جديد يحفظ لهم حصصهم وكراسيهم)، وماذا لو حسّنوا البنى التحتيّة والفوقيّة، وخفّضوا نسبة سرقاتهم ونهبهم لمال الشعب والنهب؟
ماذا لو اهتمّوا على مرّ السنوات الثلاثين الماضية بالإقتصاد، فاتخذوا قرارات لتحسين قطاعي الزراعة والصناعة؟
ماذا لو عاش الشعب اللبناني برخاء يستحقّه من دون محاصصات وفرض قوى أمر الواقع لإرادتها؟
ماذا لو امتصّت القوى الأمنيّة غضب الشارع اليوم بدلاً من مواجهتهم؟
ماذا لو دخل ابن البلد الى دوائر الدولة؟ أليس هذا من حقّه؟
ماذا لو استعملنا المفرقعات الناريّة لتكون بيروت عاصمة سياحيّة عربيّة بدلاً من تحويلها إلى ساحة حرب.
سيّدي الحاكم،
يقول مثل شعبي "إذا كبر ابنك خاويه"، أي تفهّمه ولا تقمع إرادته؛ وشعبك اليوم كبرت الغصّة بداخله، وتفاعل فيه الغضب، فماذا لو تفهّمت شعبك؟
قد تقول أنّ من في الأرض اليوم لا يمثلّون كلّ الشعب، ولكنّ نسبتهم باتت كبيرة، فما الضير من الاستجابة لمطالبهم المحقّة؟
بدلاً من التمسّك بالأحادية، وسجن المعارضين، أليس الأجدى ان نفتح أبواب السجون إلى من أوصل البلد لهذه الهاوية؟ من تهريب الدولارات لخارج البلد، ودولرة الإقتصاد، وتجويع الشعب، وإفقاره وحرمانه حتّى من أبسط حقوقه؟
لنعد إلى القاعدة الأساسية للتعريف: "الشعب أساس الحكم"، وليس الحاكم الذي بمجرّد أن تجتمع فئة كبيرة من الشعب رافضة إيّاه يفقد شرعيّته. وما ينطبق على علم الإجتماع عالميًّا، ينطبق اليوم على الساحة اللبنانية.