أنطوان منسّى: حتى ما يروح الصالح بعزا الطالح

  • شارك هذا الخبر
Monday, January 20, 2020

أكد رئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانيين الفرنسيين انطوان منسى على ضرورة تحييد المؤسسة النقدية إذ ان الاستقرار النقدي يشكّل حجر الزاوية للاستقرار الاجتماعي- الاقتصادي في لبنان. ومما لا شك فيه أن السنوات الماضية وما حفلت به من تحديات على مستوى الاقتصاد اللبناني، فرضت على مصرف لبنان اعتماد مقاربات مالية غير تقليدية تخطت العمل المصرفي التقليدي لتشمل جوانب أخرى من الاقتصاد اللبناني. بقوم البعض اليوم بانتقادها من دون الأخذ بعين الإعتبار للوضع العام الذي أجبر المصرف على اتخاذ تلك الإجراءات في حينها إن لجهة ضخ السيولة أو امتصاصها بحسب أوضاع الأسواق المحلية والخارجية والتقلبات السياسية والأمنية العاصفة محليا ودوليا.

صدر عن رئيس تجمّع رجال الأعمال اللبنانيين الفرنسيين البيان الآتي:

من يتمعن في وجوه المتظاهرين امام مصرف لبنان، يدرك لوهلة أن بوصلة الحراك يراد دفعها باتجاه آخر بعيدا عن المطالب الشعبية بتغيير الطبقة السياسية الحاكمة. فإذا كانت الإنتفاضة ضد الفساد والمحسوبية الزبائنية، فإن أولى الإجراءات الوقائية الواجب تطبيقها هي المادة الخامسة من الفصل الثاني من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تنص على وضع سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد تعزز مشاركة المجتمع وتجسد سياسة القانون من نزاهة وشفافية ومساءلة.

لقد قام مصرف لبنان وفي أحلك الظروف وأصعبها وأكثرها دقة، بتعزيز استقلاليته وإيجاد مبادرات متعددة بغية تحفيز الإقتصاد وتكبير حجمه وتأمين السيولة اللازمة لنشاطه وإرساء قطاع مصرفي سليم ومتين. ويمكن الإستشهاد على ذلك بمجموعة الجوائز التي حصل عليها حاكمه من أعلى المراجع الدولية والاحترام الذي يحظى به.

ففي ظل الوصايات والحروب والضغوط والإغتيالات وتغليب سياسات المحاور والزواريب يمكن للمراقب أن لحظ تمسّك مصرف لبنان بسياسة التثبيت النقدي الذي يقوم على منطقٍ ذي حدّين:

أولاً، اعتبار أن المصلحة الاقتصادية تقتضي أن أي تحسّن في سعر الصرف ينبغي أن يستند إلى قاعدةٍ متينة تقوم على تقدّم فعلي في الاقتصاد الحقيقي الكلي، كي يعكس وضعيةً واقعية لهذا الاقتصاد،

ثانياً، اعتبار أن أي تعديلٍ يخفّض من سعر الصرف من شأنه أن ينعكس سلباً على الاستقرار الاجتماعي-الاقتصادي بما فيه الاستقرار الاستثماري والتسليفي ومستقبل سياسات الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص وغيرها من سياسات تحفيز الاستثمار المنتج، خاصةً في ظلّ الواقع المختل للميزان التجاري في لبنان كبلد مستورد.

ولأن الاستقرار النقدي لا يكفي لنهضة البلد اقتصاديا واجتماعيا واخلاقيا. كان لا بد على الحكومة أن تعمل على تأمين سياسة رشيدة ورشيقة وسريعة نظرا لدقة المرحلة التي تتطلب حكمة وجرأة ورجاحة عقل وتوافق شديدين.

من أبرز الميزات التفاضلية التي تميّز لبنان، رأس ماله البشري، الذي يشكّل ثروة لبنان المستدامة. ويعود الفضل لهذه الميزة إلى البيئة المتنوعة والذهنية المنفتحة اللتين يتمتّع بهما المجتمع اللبناني ويتوجب المحافظة والتعويل عليهما. إذ ان الطاقات الموجودة لدى اللبنانيين المؤمنين باقتصادهم الوطني كانت دائما عصيّة على كل الأحداث والأزمات التي شهدها لبنان ولا يزال.

ان تأمين المناخ الاجتماعي-الاقتصادي المستقر هو شرطٌ لا بدّ منه للحفاظ على هذه الثروة البشرية والبناء عليها. فإن هاجرت ستعود، وإن بحثت عن فرص عمل واستثمار في الوطن، فسوف تجدها.

لقد تركزت جهود مصرف لبنان خلال السنوات الماضية على تقديم الحوافز المتنوعة للمصارف من اجل الانخراط في برامج تسليفية تشجع القطاع الخاص على الاستثمار بكلفة مخفضة في القطاعات الانمائية والسكنية والبيئية والتعليمية. كل تلك المبادرات المالية التي ابتكرها المصرف هدفت الى تنشيط الطلب الداخلي والحركة الاقتصادية عموما، إلا أنها ترمي أيضاً إلى تحقيق أهداف أخرى. فمن خلال دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم في القطاعات الإنتاجية، يهدف مصرف لبنان فعلاً إلى خلق فرص العمل. وعن طريق دعمه القروض السكنية، يسعى إلى المساهمة في الاستقرار الاجتماعي. وبواسطة دعمه تمويل قروض التعليم العالي، يوفّر للأجيال الجديدة فرصاً متساوية في التأسيس للمستقبل. أما دعمه لمشاريع البيئة والطاقة البديلة، فيهدف إلى المحافظة على بيئة قليلة التلوث وتأمين وفرٍ بكلفة الطاقة على ميزانية الأسر والمؤسسات والدولة.

لقد ساهم مصرف لبنان من خلال البرامج والحوافز التي أطلقها في تأمين الاستقرار الاجتماعي والعيش الكريم عن طريق توفير المسكن لأكثر من 130 ألف عائلة.

لكن بالرغم من كل المبادرات التي يقوم بها مصرف لبنان، فان الوضع التسليفي في لبنان هو وضع دقيق ذلك أن السيولة اصبحت منخفضة محليا وإقليميا ودوليا.

إن الإقتصاد اللبناني بحاجة إلى ضخّ رساميل جديدة. في سنة 2018، كانت نسبة النمو تقارب الـ1% في لبنان بينما قاربت في المنطقة الـ2%. ان الحصول على تمويل محلي من المصارف اللبنانية زاد صعوبةً، فالقروض المصرفية للقطاع الخاص باتت تمثل أكثر من 110% من إجمالي الناتج المحلي، وهي نسبة مرتفعة نظرا لحجم الاقتصاد باعتبار أن النمو لم يتحقق حتى تاريخه.

من هنا، فإن قدرة المصارف على تطوير التسليفات او سوق التسليف في الوقت الحالي محدودة.

ان سياسة البلد الاسكانية او الانتاجية ليست من مسؤوليات مصرف لبنان بل من مسؤولية الحكومة. وما يحتاجه البلد هو مبادرة الحكومة بالاصلاحات الضرورية لتخفيض العجز وأيضا لإعادة تفعيل روح المبادرة في لبنان ليعود النهوض الإقتصادي وتتأمن فرص العمل للشباب اللبناني. وبغياب الاجراءات الحكومية قام مصرف لبنان بمبادرات لدعم الإقتصاد في هذه المرحلة الصعبة.

المشكلة في لبنان ان القطاع العام قد توسع وبات حجمه اكبر مما يتحمله الإقتصاد اللبناني، والقطاع الخاص بحاجة الى اعادة تحفيز وتشجيع من القطاع العام.

في لبنان قطاعات واعدة التي من شأنها أن تشكل البنية الهيكلية في دعم القطاعات التقليدية وتؤمن مستقبلا أفضل للبنان هي: القطاع المالي، قطاع اقتصاد المعرفة الرقمي، وقطاع الغاز والنفط.

إن المصرف المركزي معني بالقطاع النقدي وتنظيم القطاع المالي علما أنه أول من أطلق قطاع اقتصاد المعرفة قبل خمس سنوات، ولبنان بحاجة إلى جهود حكومية فعالة على مستوى تأمين البنية التحتية اللازمة.

إن القطاع المالي والمصرفي يضطلع بدور رائد في تنمية وتطوير وتحديث الاقتصاد اللبناني، غير أن النمو مرتبط إلى حدّ كبير بتحسين القدرة التنافسية للبنان، ما يساعد على ذلك تطوير اقتصاد المعرفة.

لقد أرسى مصرف لبنان القوانين المناسبة والممارسات الفضلى. بحيث أضحى لدى لبنان قطاعا مصرفيا متين يستوفي كل الشروط المطلوبة دولياً وايضاً أن يتمتع بملاءة ويحترم القواعد الدولية.

القوانين اللبنانية سمحت بموجود أجهزة الرقابة. فلجنة الرقابة على المصارف تأسست منذ زمن طويل، وأضيف عليها مهمة جديدة تقضي بحماية مصالح المتعاملين مع القطاع المصرفي. فأنشئت وحدة حماية المستهلك لدى لجنة الرقابة وهي تقوم بمتابعة فعالية الانظمة والتجهيزات والراسمال البشري لدى المصارف بما يكفل التعاطي الشفاف مع الزبائن ويحسن سمعة القطاع المصرفي.

كما أنشأ مصرف لبنان هيئة التحقيق الخاصة وهي جهاز يسمح بالتأكد من أن المصارف لديها كل الأنظمة وتقدم التدريبات اللازمة لموظفيها وتتقيد بمكافحة تبييض الأموال. هذه الهيئة لا تُواجه بالسرية المصرفية أي يمكنها الاطلاع على الحسابات الدائنة والمدينة ولديها أيضا دور في تطبيق القوانين في حال مخالفات تتعلق بتمويل الإرهاب، وحماية القطاع المصرفي من أموال غير شرعية، لاسيما تلك التي يُمنع التعاطي بها. فليبقى لبنان منخرطا عالميا، على المصارف في لبنان مراقبة الأموال التي تمّر عبرها لأنها ستمرّ بدورها عبر المصارف المراسلة في الخارج.

لذلك، تتأكد الهيئة من وجود الأجهزة اللازمة في المصارف لمراقبة هذه العمليات، ومن ضمنها وحدة الإمتثال في كل مصرف لتكون مسؤولة عن متابعة الأمور عن كثب، وتبليغ هيئة التحقيق الخاصة عن المخالفات في حال وجودها.

هيئة الأسواق المالية جهاز يقوم بجهد كبير لمراقبة العمليات كافة في السوق اللبناني خاصة في الأوراق المالية، ومتابعة كيفية التداول في حال وجود مخالفات أو تعاطي غير محق مع البائعين أو المشترين أو في حال وجود تلاعب في الأسعار. هذه المسائل جميعها منظمة وهناك وحدة للرقابة ضمن هيئة الأسواق المالية تتابع وتدرس حالات المصارف والمؤسسات المالية ومؤسسات الوساطة.

لقد مرّ لبنان بتجارب وأزماتٍ قاسية خلال الأعوام الخمس والعشرين التي خلت، ابتداءً من الاعتداءات والحروب الإسرائيلية خلال التسعينيات والعام 2006، مروراً بالأزمات السياسية الداخلية المستعصية، إضافةً إلى تداعيات الأزمة المالية العالمية التي انفجرت في العام 2008، وصولاً إلى الحرب السورية وتداعياتها على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وقد كانت هذه التجارب بمثابة اختباراتٍ لمدى فعالية سياسة مصرف لبنان النقدية وكفاءتها ومناعتها، لا سيما بما يتعلّق بالحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية. ومن هنا وللحفاظ على الحد الأدنى وعلى المؤسسة الوطنية فإن التعويل على وعي المتظاهرين هو الأساس للبدء بورشة بناء لبنان الواحد.