العميد المتقاعد طوني مخايل - الخطوة الوحيدة

  • شارك هذا الخبر
Sunday, January 19, 2020

ترددت في أوساط السياسيين اللبنانيين بعد عملية إغتيال اللواء سليماني، والرد الايراني عليها، على إن مساعي عملية تأليف الحكومة اللبنانية قد عادت الى نقطة الصفر، وبأن حكومة المُستقلين التي تم التوافق على شكلها بين كل الأطراف لم تعد صالحة بعد كل هذه المستجدات وما سيأتي من بعدها، وبأن اطراف ٨ أذار والتيار الوطني الحر لديهم الرغبة بحكومة تكنوسياسية، حيث تُسند الحقائب السيادية وخاصة الخارجية والدفاع والمالية الى ممثلين عنها لمواجهة أي تطورات او ضغوطات أميركية- إسرائيلية على لبنان والمقاومة.
اذا ما قررت اميركا وحليفتها إسرائيل الرد على الصواريخ الايرانية على قاعدتها العسكرية في العراق" عين الأسد" وهذا الرد إستلزم رد إيراني وتوسعت جبهات المواجهة لتصل الى لبنان لتطال مراكز للمقاومة او البنى التحتية اللبنانية كما فعلت في حرب الايام السبعة عام ١٩٩٣، او أثناء عدوان نيسان من العام ١٩٩٦ والتي نفذت خلالها إسرائيل حوالي ١٢٠٠ غارة جوية للقضاء على حزب الله وصولاً للعام ٢٠٠٦ خلال الحرب الإسرائيلية- اللبنانية الثانية وفقاً للتسمية الإسرائيلية، ماذا فعلت الحكومات اللبنانية المتعاقبة خلال هذه الاعتداءات لفرض التغيير على مسارها؟
الجواب الحقيقي والواقعي إن الحكومات اللبنانية كانت ردة فعلها الأقصى بيان استنكار وشكوى للأمم المتحدة، إنما الذي فرض الاتفاق بعد عدوان ١٩٩٦وانزل بالعدو الإسرائيلي خسائر بالارواح والعتاد والذي أحبط المخططات الصهيونية عام ٢٠٠٦ ودحر الجيش الذي "لا يُقهر" الى خارج الحدود، هو المقاومة على ارض المعركة من قبل عناصر حزب الله ووحدات الجيش اللبناني وليس وزير دفاع او خارجية او مالية حتى ولو كان من صلب محور المقاومة والعهد.
المرحلة الحالية وفقاً لمحور المقاومة هي حرب مالية اقتصادية عليه، تتجلى صورها في الضغط على العملة الوطنية، صعوبة في عملية الاستيراد للمواد الأساسية ( نفط، غاز، دواء...) تظاهرات شعبية بعناوين اجتماعية ومعيشية مُحقة، ومطالبات خارجية غربية بتأليف حكومة اختصاصيين تعمل على تنفيذ الإصلاحات ومحاربة الفساد وبالوجه المُضمر لهذه المطالب، التخفيف من تأثير حزب الله على القرار السياسي اللبناني.
المطلوب الآن ليس المقاومة العسكرية إنما الاقتصادية، وبدراسة موازين القوى الاقتصادية والمالية ما بين العدو المفترض أي الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وورائها العدو الإسرائيلي وما بين الدولة اللبنانية يُمكن إستخلاص النتيجة التالية : لا يمكن وبأي شكل من الاشكال الوقوف في وجه هذا الهجوم وإنما عملية المدافعة تقتصر على إطالة مسار السقوط مع ما سيتخلل هذا المسار من صعوبات حياتية وأحداث امنية متفرقة تؤدي الى مزيد من الانقسام على دور المقاومة ومسيرة العهد، ناهيك عن الخوف والقلق على المصير وصولاً الى الساعة صفر.
حكومة التكنوقراط لا يُمكنها أن تعقد اتفاقيات دولية، ولا بإستطاعتها ترسيم حدود، ولا بقدرتها إقرار قانون انتخابي جديد لتغيير موازين القوى السياسية الداخلية، فكل ذلك بيد مجلس النواب ذو الأكثرية العددية لمحور المقاومة، لذلك فإن من كلَّف الرئيس دياب يجب عليه وضع حساباته الإقليمية وراء المصلحة الوطنية وإلا لن يبقى وطن ليُدافع عنه وهذا ما ظهر في الأيام الأخيرة وأعطى دفعاً جديداً لعملية التأليف، ومن سمَّى الرئيس دياب مفروض عليه التضحية بطموحاته المستقبلية السياسية وإلا لن يجد بلد يُحقق تطلعاته فيه، ومن رقَّى الوزير دياب لرتبة رئيس مُكَّلف عليه الاكتفاء من السلطة والتنحي وإلا ستتبخر كافة السلطات وكراسيها.
قيل في الماضي بأن الرجل الوطني يُفكر بالأجيال القادمة، أما السياسي فتفكيره لا يتعدى الانتخابات المقبلة، خطوة الى الوراء الآن ودعم فعلي لا كلامي وإعلامي لتشكيل الحكومة المستقلة هي الحركة الصحيحة الوحيدة لإنقاذ ما تبقى واستعادة ما قد فُقد ليصبح المسؤولون وطنيون-سياسيون.