وليد حسين- أصحاب المال والسلطة بين وهميّ النفط والصين

  • شارك هذا الخبر
Thursday, November 14, 2019

ما يجري في كواليس أصحاب المناصب السياسة والسلطوية من مفاوضات ومناكفات، سواء لتشكيل حكومة تكنوقراط خالصة، أو تكنو- سياسية تعيد تلميع صورة وزراء حرقها الشارع، أو تشكيل حكومة سياسية ممانعة، تضم حزب الله والتيار الوطني الحرّ، إنما تسير خارج الواقع الثوري الذي نشأ بعد 17 تشرين الأول.

الصين والمصارف
وإذا كان سيد حزب الله يفكر في الاستدارة الاقتصادية إلى الصين (كأنما الاقتصاد اللبناني المتعثر بهمّته، طوع إرشاده الإيراني)، فإن هذه الوصفة وأشباهها ليست سوى من مفردات الممانعة وقاموسها السحري لحل المعضلات والأزمات. لكن الوصفات المقابلة التي يريدها الطرف المناهض للممانعة، لا تقل سوءاً عن السياسات الحكومية التي أدّت إلى خروج اللبنانيين إلى الشوارع. حزب الله ينتهج أفكاراً من دون أي وازع سياسي لطبيعة العلاقات الدولية ومصالح لبنان، ومن دون اهتمامه في أن يصّنف دولة مارقة، يضربها الفقر والقحط الجوع، وإفلاس مستفحل أكثر من الإفلاس الحالي. هذا فيما تتجاهل أحزاب المصارف مصاب اللبنانيين جراء سياساتهم المفقرة، ولم يلتفتوا إلى أن خروج الناس إلى الشوارع هدفه إسقاط رموز الفساد والهدر والزبائنية التي أوصلت البلد إلى الانهيار.
قال صديق مطلع على بعض النقاشات التي يقوم بها بعض المستشارين والمصرفيين ورجال الأعمال لمعالجة الأزمة الاقتصادية والحكومية، إن العقلية المسيطرة ما زالت في شرنقتها، منفصلة عن زمن الانفجار اللبناني. يبحثون عن أشخاص مؤثرين في الشارع تمهيداً لاستقطابهم وتوزيرهم. وهذا دليل على استمرار العقلية إياها في معالجة أزمة اقتصادية مستفحلة بسبب السياسات الاقتصادية السابقة. وهذا يشبه علاج السرطان بحبة أسبرين.

أوهام النفط والغاز
وفق "الصديق" هناك إنكار أن السياسات السابقة أدت إلى الانفجار. يرون أن ما يحدث في الشارع منفصل عن الأزمة المعيشية الحاصلة. ما زالوا يعتقدون أن ضخّ سيولة من هنا أو هناك، واستقدام الودائع وتكديس الديون إلى حين البدء باستخراج الغاز والنفط، يحل الأزمة الاقتصادية.

يتوهمون أن أموال الغاز والنفط ستتدفق في غضون سنتين أو ثلاث. ووزيرة النفط والغاز (الطاقة، العونية - الباسيلية) أوحت من المرفأ أن وصول الأنابيب، سيفجّر أبار النفط في البحر، والأموال على البر. علماً أن أحد المعنيين بإدارة البترول قال إنه يأمل أن يرى أطفاله، الذين لم يولدوا بعد، النفط حين يصبحون شباناً. يتخيلون أن ارتفاع أسعار صرف الدولار وارتفاع أسعار السلع، وهمٌ ولم يؤثر على القدرة الشرائية بعد. في اختصار، يعتبرون أن توزير شخص من هنا أو هناك، كفيل بعودة المتظاهرين إلى بيوتهم.

لا أفكار حول إعادة تصحيح الأجور تماشياً مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق، بل ثمة إصرار على أن المسألة عرضية أو شِدّة وتزول. همّهم الحصول على أموال مؤتمر "سيدر" الكفيلة - كما يتوهمون - بتقطيع المرحلة الفاصلة عن استخراج الغاز، ليعودوا إلى تحاصص المغانم وتوزيع الفتات على الأتباع الصغار.

لم يشعر الضالعون في المفاوضات الحالية لتأليف الحكومة بالحرج حيال الرد المنسوب لسفير لبنان السابق في الأمم المتحدة نواف سلام الذي جرى تداول اسمه لرئاسة الحكومة، فقال إنه لا يقبل رئاسة حكومة انتقالية حتى لست ساعات، رداً على الطلب منه ترؤس حكومة انتقالية لستة أشهر. وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على حراجة الأوضاع التي يمر بها لبنان، ولا أمل في الخلاص في ظل المنظومة المسيطرة.

دهاقنة المال
ويصر المستشارون والمصرفيون وحراس هيكل السلطة، الذين هزّت الانتفاضة أركان هيكلهم، على تجاهل الاقتراحات التي قدمها خبراء اقتصاد لبنانيون ودوليون لإجراء إصلاحات فورية مثل "حلق الودائع" التي تفوق ثلاثة ملايين دولار، بنسب لا تقل عن الثلاثين في المئة. ولم يفكر أحد بإلغاء قروض الإسكان التي كدّست منها المصارف أموالا طائلة بفوائدها الفاحشة، والتي تصيب أكثر من 700 ألف عائلة لبنانية بالفقر والعوز. وهم يرفضون حتى التفكير بتدفيع المصارف والمودعين الكبار، جزءاً من حل الأزمة، رغم الأموال الطائلة التي كدسوها من فوائد الإيداع والإقراض.

لا يرون شرور سياسات المصارف المالية المتغوّلة على جيوب اللبنانيين، ويحمّلون المواطنين الذين تهافتوا على سحب أموالهم المسؤولية عن أزمة السيولة النقدية. ليس لديهم الوقت للالتفات إلى الوراء لإعادة النظر في أسباب الثورة الحالية، وجل ما تفتقت عنه عبقريتهم هو دعوة اللبنانيين إلى البحث عن بلد آخر يلجأون إليه، أو الرضوخ والانصياع لمنح الثقة العمياء لدعاة "الإصلاح والتغيير".