روي ج. حرب - ثروة الثورة

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, November 13, 2019


شهرٌ مضى على بدء الثورة اللبنانيّة التي إندلعت على خلفيّة الضرائب الجديدة الملقاة على كاهل الشعب اللبناني الذي ما عاد يحتمل أعباءً وفساداً في القطاعين العام والخاص وقد أنهكته على مرّ السنين.

قال الشعب كلمته، ولكن على الطريقة اللبنانيّة الملأى ابداعاً وتميّزاً...

هنا شهدنا خطوبة وعرساً وإعلان حب للوطن والعائلة، وهناك شهدنا ساحات تضجّ ثقافة وصفوفاً مدرسيّة رغم إقفال المدارس، وحلقات حواريّة تعزّز الوعي والإنتماء الوطني، وهنالك أناشيد وفن، وجولات الى معالم سياحيّة في مدن كانت في الماضي القريب أشبه بمدن الأشباح كطرابلس مثلاً التي صارت اليوم عروساً للثورة، واستعادت حيويتها بعد إزالة صور السياسيين منها وتحرّرها من نفوذهم، هم من حوّلوها الى قندهار الشرق، فعرف أبناؤها كيف يعيدونها لؤلؤة الساحل الشمالي.

يتابع الشعب إبداعاته فيدخل في كتاب غينيس من خلال أطول سلسلة بشرية على امتداد الساحل اللبناني من جنوبه الى شماله؛ ولأنّ النظافة من الإيمان شهدنا كيف تُكنس ساحات الثورة صباح كلّ يوم بواسطة المشاركين، وكيف يتمّ فرز النفايات وترتيبها وإعادة تدويرها، في رسالة مباشرة وضربة حرّة في مرمى الدولة التي عجزت خلال سنوات طويلة عن إدارة ملف النفايات وأنهكت الشعب بالضرائب والمبالغ الطائلة التي دفعتها الى شركات ساهمت في تفاقم المشكلة، بيئياً واقتصادياً واجتماعياً، من دون معالجتها بشكل علمي حضاري.

أقفل الشعب الطرقات والساحات وملأها بالأغاني الوطنية، ونظم أغانٍ للثورة، فصارت الساحات تتلوّن بالعلم اللبناني وبإضاءات فنيّة تترافق مع الهتافات وكأنها رسالة الى المسؤولين عن "بلد السياحة" الذي بات مهملاً من دون إبداع فتراجع المورد الأول لدخله.

كما كتب الشعب ونفّذ مسرحيات تعبيريّة تدلّ على عمق ثقافة المواطن اللبناني الذي راهن الكثير من السياسيين على حبّه للحياة معتقدين إذّاك أنّه سطحي، فكان جواب الشعب صارخاً، نعم نحب الحياة، ورغم ثورتنا ومطالبنا المحقة، نتمسك بحقّ الترفيه عن أنفسنا، فرأينا في الساحات حلقات الدبكة، والنرجيلة والأكسبرس ومقاهي الهواء الطلق والقناديل المضاءة وغيرها من مظاهر حياة شعب لا يموت.

لا ... هذه ليست الجنّة، وليس أقصى طموح الشاب اللبناني أن يسكن ساحات وطنه من دون عمل ولا راتب، وليس طموح الجيش أن يقمع شعبه بدلاً من الذود عنهم عند الحدود، فبكينا كلّنا مع عناصر الجيش الذين تمرّدوا بمشاعرهم على ما أرغموا عليه، ورفعنا كلنا الصوت عالياً حتى راهنوا على مللنا، لكنّ الشعب اللبناني ثابر ولا يزال يشق طريقه نحو الحرية التامة والنصر الأكيد، وإن خفت صوته بعد شهر من الصراخ المستمر فقد استعان بالزمامير الخاصة بالثورة، والأعلام اللبنانية التي زيّنت الشرفات، ومسيرات الطناجر التي تهدف الى إصدار أصوات تزعج من في السلطة وتدعوهم للرحيل.

ثار الشعب على كلّ القيود، فكان للنساء كلمتهنّ، وعُدّل النشيد الوطني اللبناني بمبادرة من جريدة النهار، بتوزيع الملحن جان ماري رياشي، وبصوت الفنانة كارول سماحه فصار سهلنا والجبل منبت "للنساء والرجال"، في خطوة هادفة الى كسر قيود المجتمع الذكوري.

نعم ... إنّهم الثروة الحقيقيّة للبنان ... شعبه الثائر ...
وتبقى ثروة كلّ ثورة في دماء شهدائها ...