العميد المتقاعد طوني مخايل - مؤامرات

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, November 13, 2019

سيمفونية المؤامرة هي من الموروثات التي تناقلتها الأجيال وخاصة في الوطن العربي، كانت تستعملها الانظمة كلما احسَّت بخطر داخلي او خارجي للدفاع عن سلطتها السياسية والعسكرية.
منذ حوالي الشهرين بدأت الازمات تتفجر بلبنان، بدايتها كانت مع المحروقات ثم الطحين واسبابها معروفة، وعندما تحرك الشارع في ١٧ تشرين توجهت أصابع المؤامرة الى اصحاب المحطات والافران ومن وراءهم واتهمتهم بتعبئة الشارع ضد السلطة.
لا يمر يوم في العالم دون ان تتصدر شاشات وسائل الاعلام اخبار عن حرائق تلتهم مساحات واسعة من الغابات وبعضها تفوق مساحة لبنان بأكمله بعدة اضعاف، وعندما تحترق بضعة مئات من الاشجار في لبنان تستحضر النيران معها شرارات المؤامرة، وبأن أعداء لبنان في الداخل والخارج هم من اضرمها، حتى إن احد النواب تساءل لماذا الحرائق فقط في المناطق المسيحية.
أتت ازمة السيولة للعملة الوطنية والأجنبية لِتَحضر من جديد اشباح المؤامرة، ولكن هذه المرة من الجهة المقابلة، مُتهمةً حزب الله بانه يسعى للسيطرة على القطاع المالي بعدما احكم سيطرته على السياسة والامن وبأن حلفاء سوريا في لبنان يُهَّربون العملة الأجنبية اليها.
منذ ١٧ تشرين الاول والانتفاضة بكل مكوناتها الطائفية وعلى كامل المساحة الجغرافية اللبنانية هي في مرمى سلاح المؤامرة من اهل السلطة.
بدأت الانتفاضة بمسيرات واعتصامات، قالوا انها مُمَّولة من سفارات دول غربية للضغط على العهد حليف المقاومة، وبالتالي هدف المشاركين في هذه التظاهرات ودون ان يَّعوا ذلك اضعاف محور المقاومة.
انتقلت الحركة الشعبية الى قطع الطرقات لجذب اهتمام هذه السلطة نحو حقوقهم ومطالبهم، فاستجلبت الدولة واركانها النظرية البالية(المؤامرة) واتهمت المتظاهرين بانهم مرتزقة عند بعض الأحزاب ويسعون لاقامة كانتونات مشابهة لزمن الحرب، وبانهم يعطلون الحياة الاقتصادية في البلاد لقلب النظام والانقضاض على حلفائه.
عمَّت لبنان تظاهرات طلابية جامعية ومدرسية، شاركت باقي المتظاهرين البعض من مطالبهم الاجتماعية والمعيشية، وكان لهم مطالبهم الخاصة لناحية تعديل المناهج، ترميم المدارس والجامعات الرسمية، دفع مستحقات المعلمين، تخفيض الأقساط وغيرها، وبلمح البصر ظهرت السلام على إسمها المؤامرة متَّهمةً المتظاهرين بانهم مأجورين(١٥الف ليرة لبنانية لكل طالب) وينفذون اجندة خارجية لضرب المستوى التعليمي في لبنان.
انبياء ورسل الديانات السماوية لُعِنوا في لحظة غضب ويأس (وهم براء من أسباب هذا الغضب واليأس) وتم تبرئة لاعِنيهم ومسامحتهم، شُتِموا الزعماء اللبنانيين في نفس الظروف
(وهم صانعي هذه الظروف) فتم اتهام الشاتمين بالتآمر مع الغرب لتلويث صورتهم امام الرأي العام المحلي والدولي.
تنادوا المتظاهرين في الساحات بعد يوم طويل من الاعتصامات والهتافات ضد السلطة، الى الرقص والغناء، فأتت الليدي مؤامرة والصقت بهم تهمة تعاطي المخدرات والدعارة.

حبال مؤامرتكم أيها الزعماء من نسج خيالكم، أسلحتها غطاها الصدأ وأصبحت غير صالحة للاستعمال، اشباحها انكشفت وأصبحت مرئية، سمومها إختفت من السنة ثعابينكم، ولكن مؤامرة المتظاهرين ضدكم مُثبتَةً اولاً بالأرقام والاماكن( ٨٠٠مليون دولار تهريب عبر المرافق الشرعية وغير الشرعية، ٢ مليار دولار سنوياً في قطاع الكهرباء، ٣٠٠ مليون ايجارات مباني للدولة واللائحة تطول).
مُتوجَةً ثانياً بالاعتراف سيد الأدلة، انتم صرَّحتم بالفساد والسرقات وسوء الإدارة والمحسوبيات، انتم إتَّهمتم بعضكم البعض على شاشات التلفزة وامام الرأي العام.

يُروى في الماضي عن مخلوقات تظهر احياناً في التاريخ تتميز عن غيرها من البشر بأنها "بتاكل ما بتشبع، بتحكيها ما بتسمع، بتْوَديها ما بترجع" وكانت تُدْعى الهاجوج ماجوج.

هل ما زالوا يتحدثون عن الرخاء والناس جوعى! وعن الأمن والناس في ذعر؟ وعن صلاح الأحوال والبلد خراب؟ من اين جاء هؤلاء الناس؟ بل من هم هؤلاء الناس؟ ( الطيب صالح )