ميشال جبور- قانون عفو... أو عفواً يا قانون

  • شارك هذا الخبر
Sunday, November 10, 2019

في ظل الظروف الإستثنائية التي يعيشها لبنان والتي أرخت بثقلها على الإنتظام المالي والإقتصادي والإجتماعي، وبعد أن سقطت الحكومة وللمفارقة أُسقطت في الشارع على أثر نبض الثورة المحقة والإنتفاضة على الفساد والمفسدين، اصبح من الضروري وللحفاظ على ديمومة الدستور وكيان الوطن العودة الى الدستور الذي يوجب بإستشارات نيابية يليها تكليف وتأليف، وهذا هو الوضع الصحي لأي بلد يريد الإستمرار ولا يريد الإنهيار.
غير أن الجديد والمستحدث ايضاً هو إستمرار السلطة الحاكمة بنفس النهج الفاشل الذي أوصل البلد إلى ذروة الخناق، نرى بأن السلطة وبكل جهارة ما زالت بعد مرور اكثر من اسبوعين على استقالة الحكومة تحاول التسويف، وتلجأ لمحاولة التفافية ملتوية عبر التأليف قبل التكليف وقبل الإستشارات، وهذا مناف لقواعد الدستور عامة ولهذا لم ولن يطمئن الشعب الغاضب لعمل هذه الطبقة الحاكمة وهو الذي اصبح على مقدار كبير من الوعي ويمارس دور الرقابة وتصويب الأمور بينما تحاول السلطة التي فشلت إلى الآن في ضبط الفساد والهدر والسيطرة على السوق السوداء للدولار وتخبط العملة والقدرة الشرائية للمواطن، التهرب من واجباتها وتمرير طبق المحاصصة بطريقة ملتوية.
ما زلنا إلى يومنا لم نناقش ولا بأي قانون ولا بأية وسيلة السبل الناجعة للوصول إلى استقلالية القضاء ورفع الحصانات عن الطبقة السياسية وإمكانية الإدعاء على من يهدر المال العام، أي أن أهل الحكم ما زالوا يرتدون ستراتهم الواقية من الإتهام بالهدر ونهب الأموال ناهيك عن عدة اتهامات منها استعادة الأموال المنهوبة والتعدي على الأملاك البحرية والتهرب الضريبي.
ما زالت هذه الطبقة الحاكمة تلعب دور العميل المزدوج، تارة تقول أنها تنصت الى مواجع الشعب وتارة تراها تحاول التصدي لكل ما يطالها أو يطال أزلامها في حال تطبيق القانون بحذافيره هذا بالطبع إن كان خاضعاً لإستقلالية القضاء.
آخر مسرحياتها الهزلية هو بند العفو العام على جدول أعمالها وبقصد رص اللحمة الشعبية وبسبب الظروف الإستثنائية التي يعيشها البلد وكلها ذرائع واهية لأن هكذا قانون يجب أن يأخذ مجراه عندما يكون البلد مرتاحاً لأمنه وأمانه وأمان اقتصاده ومجتمعه وكان من المفترض أن يكون هذا القانون قد نوقش في أزمان مرت وليس خلال الأزمة التي نعيشها اليوم، فيكون في توقيته مشبوهاً وكفقع البوشار يخض هدوء الوعاء الذي يطبخون به طبختهم.
فما معنى أن يكون هنالك قانون عفو عام من أهم مفاعيله هو السماح للطبقة الحاكمة بتمرير كل ما فعلته من ارتكابات وهدر للمال العام وسياسات مالية خاطئة اودت بالبلد الى الحضيض، ولماذا في هذه اللحظات بالذات؟
نحن هنا لا نريد أن نزيد مواجع من هم في السجون عن غير وجه حق ولا نريد أن نزيد من مواجع عوائلهم وهم الذين كانوا ينتظرون البت بقضايا اولادهم واقربائهم الذين لم يسعفهم تقاعس بعض القضاة المرتهنين للسلطة عن تطبيق القانون، إنما نريد أن نسلط الضوء على الطرق الملتوية التي يحاول بعض أهل السلطة أن يكسب شعبوية باطلة عند بعض الناس الموجوعة لإستغلالها في الشارع بغية استرداد مكتسبات شعبية خسروها في الشارع المنتفض على سياساتهم الجائرة، فأين كانوا عندما كان المظلومون في السجون يطالبون بالعدالة؟
أن قانون العفو العام في ظل افتقاد قوانين أخرى اكثر الحاحاً لإقرارها مثل قانون استعادة الأموال المنهوبة ورفع الحصانات إنما يثير شبهات الشعب وهو الذي اصبح يتنبه لكل تحرك لأهل السلطة ناهيك عن التوقيت المشتبه به والذي لا يجعل الآن قانون العفو العام حاجة اضطرارية إلا لغاية في نفس يعقوب وهي تهرب السلطة من ارتكاباتها العديدة والتلطي خلف العفو للتهرب من اصابع الإتهام، فعلى قدر ما يحمل هذا القانون من إيجابيات يحمل ايضاً سلبيات سيستفيد منها أهل الحكم لرفع المسؤوليات عنهم والهرب الى الأمام عبر استعمال خطة الشارع مقابل الشارع وهذا أخطر ما يمكن أن يفعلوه وسيجر البلاد الى ما لا تحمد عقباه.
رسالتنا اليوم موجهة الى المعنيين الذين سيتوجهون نهار الثلاثاء للتصويت على هذا القانون، أي نواب الأمة، فأنتم نواب أمة ولستم نواب مصالح وسمسرات سياسية وعين الشعب تراقبكم حتى ولو ظن البعض أن يمكنه أن يمرر القوانين بشكل سري،نقول اذهبوا وناقشوا هكذا قانون وارفعوا الصوت واسقطوه إن كانت ولو شائبة صغيرة تشوبه، إما يكون قانوناً نظيفاً وإما لا يكون ولا تحملوا ضمائركم وزر ما لا تتحملونه لأن لبنان يمر بلحظة تاريخية فسجلوا في التاريخ عناوين ناصعة البياض لا لطخة عليها، أنتم اليوم أمام امتحان فرضه عليكم الشعب وهو امتحان صعب فكونوا على قدر المسؤولية لأن عند الإمتحان يكرم المرء أو يهان.
نقول لنواب الأمة، أنتم شرعة الوطن وبكم يأخذ القانون مجراه فقارنوا بين ما يريده المواطن فعلاً وما يحتاجه الوطن من قوانين وتشريعات لكي ينهض من جديد ولا تكونوا اداة لمن يريد العفو عن نفسه وعن خيانته للوطن والعدالة ستأتي ولو بعد حين، العفو العام يمكن أن يقر بعد أن تتصوب الأمور في الوطن والذي انتظر العدالة سنين من العمر يمكنه أن ينتظرها بضعة أيام أخرى ريثما يستوي خط الدستور... أمامكم إمتحان العفو العام أو سنقول... عفواً يا قانون.