السفير البريطاني في لبنان: "بعد 12 شهر في لبنان.. إليكم أسباب تفاؤلي"

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, September 18, 2019

شكّل مثل هذا اليوم من العام الماضي لحظة من اللحظات الأساسية في مسيرتي المهنيّة – حيث قدّمتُ رسالة الملكة إليزابيت الثانية للرئيس عون تعينّني فيها سفيراً للمملكة المتحدة في لبنان. وقد فتحَتْ هذه الذكرى باباً للتأمّل في هذه السنة ومجرياتها بالنسبة للبنان والمملكة المتحدة.

كانت الأشهر الاثنا عشرة الأولى لي في لبنان مميّزة جداً. فقد وقعًّتْ شركتا رولس رويس وطيران الشرق الأوسط أكبر عقد تجاري بين لبنان والمملكة المتحدة. والتقيتُ بالجندي رقم 000 10 الذي تم تدريبه ضمن برنامج المملكة المتحدة لدعم الجيش اللبناني، وزارت بيروت واحدة من أكثر المدمّرات البريطانية تطوّراً على الإطلاق. استضفنا أوّل زيارة رسميّة لفرد من العائلة الملكيّة البريطانية وأقمنا شراكة مع المكتبة الوطنية احتفاءً بعمل المملكة المتحدة في لبنان. وقد شهدتُ على نتائج عملنا المتواصل مع العنصر النسائي في البرلمان اللبناني، ومع الشرطة المجتمعيّة في بيروت، والقطاع التعليمي في لبنان. بالإضافة، كان حظي كبيراً إذ استطعت زيارة كل المحافظات ولقاء أشخاص رائعين قصصهم مميّزة ومصدر إلهام كبير. وبعد إعادة صياغة التعليمات البريطانية للسفر إلى لبنان، كنت أوّل سفير بريطاني يحضر مهرجانات بعلبك منذ 10 سنوات.

لبنان

حبّذا لو أنّ دعم لبنان هو بسهولة قيامك بنزهة على الكورنيش. فالجهود لضمان استقرار الاقتصاد كانت العنوان الأساس. فالمملكة المتحدة تدعم البرنامج الحكومي ومجموعة CEDRE ؛ وستكون الإصلاحات الاقتصادية مؤلمة، ومن دون أن تكون اختيارية، بل طارئة. يجب تقليص العجز وموازنة الأرصدة بشكل أفضل واستعادة الثقة الدولية والمحلية. حينها فقط يستطيع لبنان تشغيل كامل طاقاته. فالفرص متاحة أمام المزيد من التبادل التجاري والاستثمار بحيث عيّنت المملكة مبعوثاً تجارياً جديداً للمنطقة. ولكن كلّ هذه الأمور لن تتحقّق لمجرّد رغبتنا بها، إذ لن يتعافى الاقتصاد من دون إنجاز التغيير.

مفاعيل الأزمة السورية كان لها حصّة في عنونة هذا العام. فقد افتتحتُ مراكز اجتماعية أقيمت في البقاع بتمويل بريطاني، ومرفأ لصيد الأسماك في منطقة الجيّة، واطّلعت على مستودع تبريد التفاح في جزّين واستمعت إلى قصص أطفال سوريين في المدارس وأفراد في المجتمعات السورية. لذا سنستمرّ بدعم لبنان والتفتيش عن نواح جديدة لعملنا معاً للوقوف إلى جانب المجتمعات المضيفة واللاجئين على حدّ سواء.

آخر ما يحتاجه لبنان هو غياب الاستقرار الأمني، وقد كان الهجوم على عناصر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي الذي حصل في طرابلس مشهداً محزناً جدّاً. فالقوى الأمنية في لبنان، التي نفتخر بشراكتنا معها – تقوم بعمل دقيق ضمن ظروف صعبة.

تضاف إلى ذلك العديد من المخاطر الأمنية التي لا تقلّ جديّة عن ما سبق. فبعد وصولي بفترة وجيزة، أثير موضوع الأنفاق التي تصل إلى اسرائيل وشهدنا في الأسابيع الأخيرة ارتفاع مستوى التوتّر بين حزب الله واسرائيل. المنطقة غير مستقرّة، وقد أتى إعلان المملكة المتحدة في شباط لينفي القدرة على التمييز بين الجناح السياسي والعسكري لحزب الله ليتمّ إدراج الأخير على لائحة الإرهاب. نحن نواصل الدعوة للجميع إلى الهدوء والاحترام الكامل لقرار الأمم المتحدة رقم 1701 وإعلان بعبدا. وأنّا مؤمن بشكل كبير بأنّ أمن لبنان وشعبه لا يمكن تحقيقه إلّا من خلال احترام الجميع لهذه الالتزامات.

المملكة المتحدة

لا أستطيع بطبيعة الحال أنّ أتأمّل في الأشهر الاثني عشرة التي خلت من دون أن أفكّر بما حصل في المملكة المتحدة. فقد شهد هذا العام تغييراً لرئيس الوزراء وتغييرات في تواريخ خروج المملكة القانوني من الاتحاد الأوروبي. فهذا الخروج يتصّدر عناوين الصحف في بلادي ويسيطر على تفكير الكثيرين. ولكنني أعلم أنّه ليس الشعور الطاغي عند معظم اللبنانيين اليوم. يستذكر الكثيرون مركز المملكة المتحدة الريادي عالمياً في مجال التعليم (أدرجت 4 جامعات بريطانية على لائحة أهمّ 15 جامعة في العالم)، وواقع اقتصادنا القويّ الذي سجّل أدنى مستوى بطالة وأعلى المستويات من حيث المهارات، بالإضافة إلى خدماتنا المالية والقانونية والتحكيمية والتكنولوجيّة المتطوّرة والحديثة (فيأتي المنتدى التجاري الذي يقام في لندن خير شاهد على كلّ ذلك). علاوة عن أنّها من أكثر المدن إشراقاً وتنوّعاً في العالم، فيها أبهى الثقافات والعروض الرياضيّة وغيرها. لذا فمن السهل التفكير بإيجابية إزاء مستقبل المملكة المتحدة.

المستقبل

كما في لبنان، لقد عشت في 6 بلدان خارج المملكة المتحدة، واللبنانيون هم من أكثر الشعوب ابتكاراً ونشاطاً وغناً بالأعمال الحرّة. هنا في أيّ جهة بحثت، تجد ما تحتاجه للنجاح. لكن أيّامنا هذه أصعب من ذي قبل، غير أنّه يبقى التعليم واللغات والانفتاح على العالم من أساسيات نجاح المستقبل. ولبنان يجمع في طيّاته كلّ هذه العوامل. كما شعرت الأسبوع الماضي خلال توديع آخر فريق طلاب منحة تشيفننع الجامعية الممولة من قبل الحكومة البريطانيّة، الشعب اللبناني سبّاق في مسيرته على مدى التاريخ.

يشكّل بناء مستقبل ناجح أساس العام البريطاني-اللبناني للتعليم الذي يحلّ علينا قريباً. وخلاله وضمن البرامج الاقتصادية والأمنية والخدماتية التي نقوم بها، سأمضي مع فريقي وقتاً أكثر في أرجاء لبنان إن كان في النبطية أو صيدا أو طرابلس او بعلبك أو جبيل او الشوف وغيرها من المناطق. وفي كلّ مكان نزوره، سنكشف عن نواحي استثمارات تقوم بها المملكة المتحدة من أجل مستقبل أفضل.

لذا وعلى الرغم من كلّ التحديات التي يواجهها هذا البلد الرائع، أبقى إيجابياً وأتمنّى أن تستطيعوا ذلك أنتم أيضاً.