فيوليت غزال البلعة- "عوده" و"بيبلوس" CCC.. و"جمال" ليس للبيع!

  • شارك هذا الخبر
Monday, September 16, 2019

يقف لبنان عند باب الحماوة الإقليمية التي إتسعت دوائرها العسكرية من ناقلات مضيق هرمز حتى مقرّ منشآت "رامكو" السعودية، من دون أن يحسم خياره ويقرّر وجهته المستقبلية على وقع عقوبات أميركية بدأت تصيبه في الخاصرة الإضعف، وهي المصارف، وإتساع مروحة المُدرجين على لائحة "أوفاك" التي لن تنحصر بشخصيات أو مؤسسات من طائفة محددة، بل ستشمل بحسب أجواء الموفد الأميركي ديفيد شينكر، رجال أعمال أو شخصيات سياسية على علاقة بـ"حزب الله"، أو ممَن يوّفرون له الغطاء ويقدمون له المساعدة المالية وغير المالية.

الإنفجارات المتقطعة هزّت خط طهران وواشنطن مجددا، وتنذر بإتساع دائرة الإضطراب لتأخذ منطقة الشرق الأوسط إلى حيث لا تريد. فأميركا، ورغم إعلان الحوثيين مسؤوليتهم، سارعت الى إتهام إيران بالوقوف وراء الهجمات على منشأتي بقيق وخريص التابعتين لشركة "أرامكو-السعودية". وسريعا أيضا، نفت طهران وحذّرت من "وقوع القواعد وحاملات الطائرات الأميركية بالمنطقة في مرمى صواريخها".

أجواء نهاية الأسبوع ألهبت المخاوف من تعطيل إمدادات الطاقة العالمية، وإستحضرت الأسواق شبح ارتفاع أسعار النفط إلى 100 دولار، بدءا من ارتفاع يراوح بين 5 و10 دولارات للبرميل عند إستئناف الإنتاج اليوم. فالهجمات أوقفت إنتاج نحو 5.7 مليون برميل يوميا، بما يوازي نصف إنتاج المملكة. وإعادة الإمدادات النفطية إلى حجمها السابق "قد تستغرق أسابيع وليس أياما".

مناخات غير مؤاتية لأي نشاط إقتصادي عالمي، وتحتّم على صانعي السياسات وضع سيناريوهات جانبية لتفادي الآثار الجانبية. هذا ما لم يقرأه لبنان بعد، حيث يغرق في وحول الأوهام المتفائلة من دون أن يبادر إلى ترجمة وعوده الإصلاحية، مستفيدا من تعاطف أميركي-فرنسي يصرّ على تقديم رزمات دعم مالية قد تصل أقله إلى نحو 18 مليار دولار، إن أحسن إعادة هندسة إقتصاده الوطني على قواعد متينة كفيلة بتجاوز "التطورات السلبية الطارئة أخيرا، والمتمثلة بخفض تصنيف لبنان والتوترات الأمنية وإدراج "جمال ترست بنك" على لائحة العقوبات الأميركية".

هي عناوين تصدّرت مباحثات اللقاء الشهري "الدسم" بين مصرف لبنان ولجنة الرقابة وجمعية المصارف الذي عُقد يوم الجمعة الماضي، وزاد منها نهاية الأسبوع، قرار وكالة "فيتش" خفض تصنيف "بنك عوده" و"بنك بيبلوس" من B- الى CCC لتعرضهما للديون السيادية للبنان، ولبيئة التشغيل المحلية الصعبة وتراجع فرص الإقراض وسط نمو إقتصادي ضعيف. ومعلوم أن وكالات التصنيف تبقي تصنيف المصارف تحت سقف التصنيف السيادي لدولها، بحيث يستحيل أن تنال مصارف لبنان تصنيفا أعلى من ذاك الممنوح للدولة اللبنانية. لكن لم تتوانَ "فيتش" عن الإشادة بقوة إدارة المصرفين، (حصة "عوده" السوقية نحو 10% من أصول القطاع المصرفي، وحصة "بيبلوس" نحو 8.5%)، فضلاً عن قاعدة القروض والودائع المرنة رغم بعض الضغوط للإحتفاظ بالودائع (لا سيما بالدولار الأميركي).

وبهدف توحيد تعامل المصارف مع إنعكاسات خفض تصنيف لبنان من قبل وكالتي "موديز" و"فيتش"، تمنّت جمعية المصارف على مصرف لبنان في اللقاء الشهري، إصدار تعميم، أكد الحاكم رياض سلامة ان المصرف سيصدره قريبا "وسيتضمن رفعا لنسبة تثقيل سندات "اليوروبوندز" من 100% إلى 150% ، فيما سيبقي على نسبة تثقيل 50% لودائع المصارف بالعملات لدى مصرف لبنان". ورجّح أن "يتراجع معدل الملاءة الى حدود 12.5 أو 12%، وهو أعلى من المعدلات الموصى بها في إتفاقية "بازل 3" أي 10.5". وذكّر بالتدبير الحكيم الذي اعتمدته المصارف بطلب من مصرف لبنان، والقاضي برسملة المداخيل الناجمة عن الهندسات المالية "ما ساعد بتقوية قاعدة رساميل المصارف"، فيما الإنعكاس على الخسائر المتوقعة (ECL) "لن يكون كبيرا، كما تؤكده كذلك المعطيات المتوافرة". وطمأن بنتيجة الاجتماع مع بعض مسؤولي المصارف المراسلة، أنها لا تأخذ بتصنيف المؤسسات "بل لديها تقييمها الخاص للمصارف التي تتعامل معها، وأن عملها مع المصارف اللبنانية لم يتأثر بخفض درجة مخاطر لبنان".

المخاوف على الليرة تقضّ مضاجع اللبنانيين. لذلك، لم يتخلَ الحاكم عن التذكير بـ"إستمرار مصرف لبنان بسياسة الاستقرار النقدي والتي أكد عليها اجتماع بعبدا". وأعلم المشاركين في اللقاء الشهري، بأن احتياطاته من العملات كانت مستقرة، "بل زادت ولو بمبلغ بسيط في منتصف الشهر مقارنة بآخر الشهر الفائت رغم تسديد مصرف لبنان إستحقاق فوائد للدولة بقيمة 130 مليون دولار".

ورغم عدم البتّ بملف "جمال ترست" الذي عوقب أميركيا لعلاقته بـ"حزب الله" ماليا، يبدو أن ملف المصرف وشركات التأمين التابعة، سيتجه نحو "التصفية الذاتية" وليس نحو البيع كما إعتُمد في ملف "البنك اللبناني الكندي". هذا ما تطرّق إليه اللقاء الشهري، حيث رأى الحاكم "ان البنك أدرج على لائحة OFAC وليس زبائن البنك، وقد صرّح بذلك المسؤولون الأميركيون". وأعلن "أن أموال المودعين مؤمنة، وقد تمّ دفع الودائع الصغيرة دون الـ5 آلاف دولار، وخصوصا دون الـ2000 دولار نقدا، علما أن عدد المودعين كبير بحدود 89 ألفا، وأن لجنة الرقابة وهيئة التحقيق الخاصة موجودة في المصرف وتدقّق في الشيكات المصدرة من البنك على مصرف لبنان".

وجدّد سلامة التأكيد بنتيجة التواصل مع مسؤولي الخزانة الأميركية، أن ودائع الزبائن الشرعية غير معنية بقرار إدراج البنك، "ويمكن أن تنتقل الى مصارف أخرى، إضافة الى محفظة القروض ما دامت شرعية". ورأى أن شراء أو تملّك موجودات البنك، خاصة الصافية Net Assests، "يشكل مخالفة لقرار الإدراج على لائحة العقوبات. وخلافا لرأي المحامين ومسؤولي الإمتثال في بعض المصارف Legal & Compliance الذين يتحفظون على التعامل مع كل الأدوات، بما فيها الشيكات المرتبطة أو الصادرة عن "جمال ترست" نتيجة إدراجه كمؤسسة على لائحة العقوبات OFAC، كان للحاكم موقفا مغايرا".

هي مشاغل تقلق اللبنانيين.. لكن، يبدو أن الحكومة متغاضية وماضية في البدء بتسويق مشروع موازنة 2020 الخالي من أي ضرائب جديدة، والذي لن يلحظ زيادات على البنزين أو فوائد جديدة على الودائع المصرفية، رغم توسع الإنفاق الى 16 مليار دولار مقابل 15.5 مليارا لموازنة 2019... فكيف ستقفل عجز موازنة 2019 (7.59%)؟ ومن أين ستسدد عجز موازنة 2020 (7.3%)؟

الضرائب التي إنسابت من ورقة بعبدا الاقتصادية، قد تتسلّل إلى موازنة 2020 مصحوبة بصخب كباش الكواليس!

المصدر: Arab Economic News فيوليت غزال البلعة