جيسي طراد - إقرار الموازنة اللبنانية "اللقيطة" قد تواجه الطعن الدستوري

  • شارك هذا الخبر
Saturday, July 20, 2019



ست ساعات أمضاها النواب اللبنانيون في مناقشة 99 بنداً من موازنة عام 2019، انتهت بتصويت 83 نائباً مع الموازنة و17 ضدها، فيما امتنع نائب عن التصويت.

الموازنة الحدث استغرق توليفها وإخراجها ما يقارب الثلاثة أشهر من المناقشة والمراجعة والتعديل، ووصفها وزير المال علي حسن خليل بالموازنة "اللقيطة"، بعدما تبرأت منها غالبية الكتل البرلمانية الممثلة في الحكومة، إضافة إلى الكلام عن كونها غير دستورية.

يرزح لبنان تحت عبء دين هو بين الأعلى عالمياً نسبةً إلى ناتجه المحلي، إذ لامس مستوى 150 في المئة من الناتج، ليكون لبنان ثالثاً من حيث المديونية بعد اليونان واليابان.

ودأب العاملون على الموازنة على خفض العجز بشتى الطرق، فيما لبنان يتصدر أيضاً الترتيب الدولي من حيث الدول الأكثر فساداً في العالم، ويطالبه المجتمع الدولي بالإصلاحات كشرط لإطلاق المساعدات الدولية.

وتحت عنوان خفض العجز لخفض الدين، لم تلق الدولة أو القيّمون عليها إلا جيب المواطن لرفع الإيرادات، فيما بقيت الإصلاحات وإقفال مزاريب الهدر والفساد من دون حلول مقنعة.

وعلى الرغم من الغضب والتظاهر وقطع الطرقات من قبل المتقاعدين من العسكريين والمحاربين القدامى، أُقرت المادة 23 التي تفرض ضريبة دخل على المتقاعدين وفق الشطور، كما فرض اقتطاع نسبة 1.5 في المئة من الراتب كلفة تأمين الطبابة. وكانت وزارة الدفاع من أكثر الوزارات التي طالها الخفض في الميزانية. كما أُخضعت رواتب الأساتذة المتقاعدين في التعليم الثانوي والأساسي الرسمي لضريبة الدخل، إضافة إلى مخصصات رؤساء ​الجمهورية​ والمجلس النيابي والحكومة​ والنواب والوزراء السابقين.

إجراءات

فرض رسم 3 في المئة على المستوردات الخاضعة للضريبة على ​القيمة المضافة​ لمدة 3 سنوات باستثناء مادة البنزين التي قد ترفع من أسعار السلع المصنعة داخلياً، كما استثنت المواد الأولية الصناعية والآلات الصناعية منها في إجراء يرى الخبراء أنه سيرفع أسعار المواد الاستهلاكية أقله بمستوى 5 في المئة.
ومرّرت الموازنة خفض سقف رقم أعمال الشركات الخاضعة لضريبة القيمة المضافة من 100 مليون ليرة سنوياً (نحو 66 ألف دولار أميركي) إلى 50 مليون ليرة سنوياً، ما سيُخضع الشركات الصغيرة إلى الضريبة في ظل انعدام للنمو يهدد وجود هذه الشركات واستمرارها.
استُبدل فرض رسم على النرجيلة بفرض رسم على الأماكن المخصصة للتدخين.
رُفع رسم المغادرة براً لغير اللبنانيين، ورُفع الرسم على المغادرين جواً حتى على الدرجة السياحية، ورُفع أيضاً رسم الاستحصال على جواز السفر.
خُفضت مساهمة الحكومة عن كل تلميذ مسجل في المدارس الخاصة المجانية، وخُفضت منح التعليم لموظفي الإدارات العامة 15 في المئة.
رُفعت ضريبة فوائد عائدات الدين من 7 إلى 10 في المئة.
الهدر والفساد أقوى

الإجراءات المقترحة لتخفيض العجز كانت بدت مقبولة ربّما لو ترافقت مع إصلاحات حقيقية توقف آليات الهدر والفساد المستشري في لبنان، حيث الصفقات السرية والعلنية والمناقصات المشبوهة والتلزيمات بالتراضي.

فمكافحة التهرب الجمركي عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية يؤمن إيرادات بمليارَيْ دولار، بحسب أكثر من خبير. فوزير المالية نفسه كشف، خلال جلسات مناقشة الموازنة، فضيحة وجود أكثر من 136 معبراً غير شرعي على الحدود اللبنانية.

والحد من ​التهرب الضريبي قد يعود على الخزينة أيضاً بإيرادات تُقدّر بمليار دولار.

واستيراد النفط من دولة لمؤسسة كهرباء لبنان من دون وسيط خاص توفر 500 مليون دولار.

فرض رسوم وتسويات على المنشآت البحرية والنهرية المخالفة تؤمن للدولة في السنة الأولى 800 مليون دولار.

ولا بد من الإشارة إلى أن لجنة المال والموازنة ومن خلال التخفيضات التي لجأت إلى تطبيقها على الهيئات العامة كمجلس الإنماء والإعمار، وهيئة أوجيرو (قطاع الاتصالات) وبعض مخصصات الجمعيات، قد توصلت إلى تحقيق وفر بـ350 مليون دولار، صادق مجلس النواب على غالبيتها.

حزب الله على خط الموازنة للمرة الأولى

ليست المرة الأولى التي يتمثل فيها حزب الله اللبناني في المجلس النيابي ولكنها المرة الأولى التي يدخل فيها نواب الحزب في نقاشات جدية لتعديل بنود والمصادقة على أخرى إن في الحكومة أو في لجنة المال والمجلس النيابي.

وبحسب المتابعين سياسياً، في ذلك إشارة واضحة إلى تحول اهتمام الحزب إلى الداخل اللبناني، لتأمين الخدمات لقاعدته الشعبية في ظل شح الموارد الخارجية. فالحزب نجح في الحصول على وزارة الصحة كما طلب. ونجح في فرض مقترحاته على عدد من البنود كإلغاء رسم 2 في المئة على المستوردات، كما طرح في البداية ثم رفع رسم 3 في المئة عن البنزين، في دلالة واضحة على مقدرة الحزب على التأثير في السياسات المالية التي ستترافق ومسار إعداد موازنة 2020.

مبتورة

موزانة 2019 أُقرّت مبتورة وغير متوازنة. وعلى قاعدة "أن تأتي متأخراً خير من ألاّ تأتي أبداً"، يهلل السياسيون في لبنان على إنجاز خجول سيصطدم بالكثير من العقبات منها:

الأرقام النهائية للموازنة تبقى حتى الساعة غير معلنة بعد التعديلات التي طرأت على إقرار البنود في المجلس النيابي.

فهل سيتم الإعلان عن أرقام الـ5 أشهر الباقية من العام كون الموازنة وتخفيضاتها ورسومها لن تتطبق إلاّ على هذه الفترة؟

ما هي السبل التي ستُعتمد لمعالجة الثغرة الفاضحة التي تسبّب بها إخطار المصارف بعدم مقدرتها على الاكتتاب بفائدة 1 في المئة في سندات الـ11 ألف مليار ليرة؟

كيف ستواجه الدولة التصعيد المحتمل للمتقاعدين العسكريين والمعلمين في القطاع الرسمي؟

هل سيصبح رسم 3 في المئة ضريبة قيمة مضافة مقنعة؟ فيما لا تزال السلع التي ستُفرض عليها الرسوم غير معروفة؟

كيف ستواجه الحكومة الطعون التي ستُقدم في مشروع موازنة أُقرت خارج المهل الدستورية، ومن دون قطع حساب للسنوات الماضية؟

والأهم هل ستقتنع الدول المانحة والمجتمع الدولي بموازنة الأرقام والتعهدات التي يصعب الالتزام بها، فيما الهدر والفساد مكشوفان ومعروفان والإصلاح الحقيقي غائب؟


Independent