فيوليت غزال البلعة - لبنان يتحضر لمليارات "سيدر"؟

  • شارك هذا الخبر
Monday, June 3, 2019



ما كاد لبنان يبادر إلى تخفيف سخونة الجبهة الإقتصادية-المالية مع إنجاز الحكومة مشروع موازنة 2019 المزدحمة بالأفخاخ والثغرات، ظنا منه بأن ذلك سيتيح له إستدعاء مليارات "سيدر" لا شروطه الإصلاحية، حتى إشتعلت جبهته السياسية على وقع موقف رسمي أعلنه في قمة مكة وما أثاره من ردود، أبرزها من "حزب الله"، بما أكد مجددا إستحالة تلاقي المشروعين وتهاوي "التسوية الرئاسية" بعد أقل من ثلاثة أعوام...

فما كادت موازنة 2019 تخطو أولى خطواتها نحو مجلس النواب، حيث يقدّر أن ترتفع حماوة النقاشات بعد عطلة الفطر، حتى إنشغل اللبنانيون بسجال مرتفعة سقوفه، فجّره ملف قضائي محلي (ملف غبش - الحاج) ليكشف صراعا بين الكتل السياسية وتقاتلا على إثبات "الأقوى" في الإمساك بزمام الأمور المستقبلية، وربما الرئاسية منها.. ليبدو الجميع في غفلة مما يجري في محيط لبنان، البلد المحاط بدولة عدوّة وأخرى غير صديقة، فيما لا يغدو البحر، كما كان في عهد الفينيقيين، باب الفرج المعهود.

فكيف يتحضّر لبنان لصرف مليارات "سيدر" في مشاريع تنموية وتأهيلية لبنية تحتية متهالكة، وهو يرفع سقف التوتر السياسي ليؤكد لوكالات التصنيف العالمية أن مخاوفها من "الرؤية المستقبلية" للبنان هي في محلها، ولا بد من أن تنعكس مباشرة على مناخ الأعمال والإستثمار؟ وهذا ما يبرّر أي مبادرة لخفض تصنيف لبنان الى درجة C قريبا مع كل ما ستخلفه من مفاعيل سلبية على معدل الفوائد والكلفة، وتاليا على النمو المحلي الذي سيتجه حتما إلى مزيد من الإنكماش لا الإنفراج.

لم يبقَ وزير أو نائب أو مسؤول حزبي في لبنان، إلا وتورّط في "ملهاة" الهجمات الكلامية غير المسبوقة ولا المحتسبة نتائجها، بدل أن يعكفوا على إعادة درس بنود قانون الموازنة عقب سيل التحفظات التي رافقت خروجه من مجلس الوزراء، في محاولة منهم، أقله شكلا، لتصويب بعض من إنحرافاته وتقريب الهامش ما بين التوقعات والوقائع قبل أن يُطرح على مشرحة مجلس النواب بعد نحو أسبوع.

بدا، وكأن الجميع أغفل عمدا ما يدور في المنطقة. فلا هم سمعوا تهديدات طهران حيال السفن الأميركية في بحر الخليج "الواقعة في مرمى الصواريخ الإيرانية" وفق ما أعلن أمس المساعد العسكري للمرشد الإيراني علي خامنئي يحيى رحيم صفوي، ولا بتحذيراته من "أن أيّ اشتباك بين البلدين سيرفع أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل". ولا هم شعروا بخطورة الوضع الذي إستدعى عقد قمم مكة المكرّمة الأسبوع الماضي، وأفضى إلى تفجير الخلاف اللبناني-اللبناني عندما أفرج عن مكنونات تختزنها الصدور بعدما باتت المواقف لا تفي بالغرض.

هل توقف أحدهم عند تصريح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من سويسرا أمس، بأن واشنطن مستعدة للحوار مع طهران "دون شروط مسبقة"؟ كيف قرأ المتساجلون أبعاد الهجوم الإسرائيلي السبت-الأحد الماضيين على مواقع عسكرية سورية في جنوب غرب دمشق إنطلاقا من الجولان المحتل و"الصواريخ الإسرائيلية" على مطار التيفور السوري؟

ماذا بعد قمم مكة الثلاث؟ سؤال طرحته الصحافة العربية نهاية الأسبوع. منها ما أيّد وأثنى وأشاد بما صدر من مواقف، ومنها ما حاول إستشفاف المرحلة المقبلة. فهل ستبقى المنطقة في حال "ستاتيكو" تتأرجح بين الحرب والسلم؟ أم ستنزلق نحو حرب عسكرية تفتح أتون المستقبل القاتم على أفق مجتمعات تعاني أزمات إقتصادية خانقة؟ ماذا لو إرتفع سعر برميل النفط إلى 100 دولار وأوقع ميزانيات الدول النفطية في عجوزات مالية جديدة؟ وماذا عن الدول العربية غير المنتجة للنفط، ولبنان أحدها؟ ماذا بعد قمم مكة؟

كم كان مؤسفا إعلان المدير الإداري في شركة Wego المتخصصة بحجوزات الطيران والفنادق مأمون حميدان أمس، أن الكثير من المواطنين الخليجيين سيتجهون في عطلة الفطر هذا الأسبوع إلى مصر (29% من الحجوزات على الموقع)، إضافة إلى وجهات جديدة مثل جنوب شرق آسيا وإندونيسيا وبالي وكرواتيا وأرمينيا.

لم يأتِ المسؤول المذكور على ذكر لبنان بين دول المقصد للخليجيين في عطلة العيد.. رغم أنه باشر إستعداداته منذ أشهر بدفع من وزير السياحة أفيديس كيدانيان، الذي جهد مطوّلا لزرع مشاعر التفاؤل بموسم سياحي ناجح... وأكثر، قرّر، وفق ما تردّد، أن ينتقل مع فريق الوزارة بدءا من مطلع حزيران/يونيو المقبل إلى مطار بيروت، حيث سيفتتح مكتبا يداوم فيه يوميا لمواكبة قدوم السيّاح بمناسبة عيد الفطر وامتداداً حتى فصل الصيف، في سابقة هي الأولى في البلاد.

غدا يحلّ عيد الفطر. ومعه ستتكشف الأحلام وتترجم الآمال بما أمكن من وقائع.. لكن، هل هذا كافٍ؟ "سيدر" ليس في خطر، قال السفير الفرنسي في بيروت قبل أيام، "لكن الأمر يتطلب التطبيق، فالمجتمع الدولي إنخرط لمساعدة لبنان شرط أن يقوم بإصلاحات بنيوية"... لا بفرض ضرائب ورسوم ستطول كل اللبنانيين إنطلاقا من مفعول ضريبة الـ2% على الإستيراد، لأنها سترفع التضخم وتتسبّب بموجة غلاء جديدة في عزّ الضائقة.

أزمة الموازنة ستضاف على الموجود منها، وستتوالد أزمات إجتماعية مختلفة الأوجه طالما بقيت السلطة غافلة عن وضع خطط وبرامج واقعية لا دعائية لم ينخدع بها المجتمع الدولي، وقدمت حوافز إستثمارية في سلة متكاملة لا مجتزأة لفتح شهية أصحاب الرساميل ورجال الأعمال...

ويبقى معبّرا ردّ إيران المسائي على عرض واشنطن للحوار "إن طهران تتوقع تغييرا في سلوك واشنطن لا كلماتها"... وينطبق ذلك على السلطة في لبنان.

Arab Economic News