نظمت الجمعية الفرنسية "تراث ـ طرابلس ـ لبنان" ندوة بعنوان "دور التراث في تعزيز المواطنية"، وذلك يوم الخميس في 16 أيار 2019 في قاعة كليمانصو في مجلس الشيوخ الفرنسي. وقد شارك فيها من أبرز الباحثين والاختصاصيين في التراث في لبنان وفرنسا، وحضرها العديد من الشخصيات منها أعضاء مجموعة صداقة فرنسا ـ لبنان في مجلس الشيوخ وبعض السفراء العرب وممثلي اليونسكو.
وبعد كلمة الترحيب التي ألقتها رئيسة الجمعية السيدة جمانة شهال ـ تدمري وكلمة الافتتاح من السيناتور دو ليج، رئيس مجموعة الصداقة بين فرنسا ولبنان في مجلس الشيوخ، الذي أكد على اهتمام فرنسا بلبنان وثقتها بنجاحه لكي يتعدّى الحروب والنزاعات التي تدور في الشرق الأوسط، بدأت الطاولة المستديرة الأولى تحت عنوان "المشروع التربوي في طرابلس وشمال لبنان : تكييف ونتائج"، أدارها الصحفي وليد شميط، وشارك فيها رئيسة الجمعية جمانة شهال ـ تدمري، والسيد هنري سيمون، المسؤول في جمعية "تراث بلا حدود، والسيدة كوليت سابان، الباحثة في التراث، والسيد مازن حيدر، المعماري الباحث في التراث. وتحدّثت السيدة شهال ـ تدمري عن المشروع التربوي "تراثي ـ تراثك" الذي أقامته الجمعية بالتعاون مع جمعية "تراث بلا حدود"، وهدفه تحسيس الأجيال الناشئة في المدارس بأهمية التراث. وهو يُطبق منذ عدة سنوات الآن في معظم المدارس الرسمية في طرابلس بفضل تعاون وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان وبشخص مديرها العام الأستاذ فادي يرق. ودفع هذا النجاح الجمعية إلى تنظيم "الأيام التراثية في طرابلس" وإقناع وزارة التربية في لبنان بضرورة تطبيقه في جميع المدارس الرسمية في منطقة الشمال. وبعدها قام السيد هنري سيمون بالتحدّث عن المشروع التربوي الذي تقوم جمعيته "تراث بلا حدود" بتطبيقه في مدن أوروبية عدة، منها منطقة البلقان التي عاشت حروبا وتم تدمير معظم معالمها التراثية. ومن ثم قامت السيدة سابا بالتحدث عن دور التراث في لبنان واعتبار اللبنانيين له ما بين الإجلال والإهمال، ورأت ضرورة التوافق بين الوزارات والبلديات والباحثين والجمعيات من أجل اتباع سياسة واحدة لحماية التراث وإبرازه، وذلك للوصول إلى نتائج إيجابية وموضوعية. وأنهى السيد مازن حيدر الطاولة المستديرة الأولى بالتحدث عن المفاتيح الجديدة لقراءة تراث القرن الحادي والعشرين في لبنان والتحسيس بأهميته، وعن سبل المحافظة والتوعية حول تراث القرن العشرين في مدينة بيروت، الحديث منه والأكثر قدماً. ونُظمت الطاولة المستديرة الثانية تحت عنوان "دور التراث في تعزيز الإحساس بالمواطنية"، وشارك فيها السيد بهجت رزق، الملحق الثقافي في مندوبية لبنان لدى اليونسكو، والسيدة صوفي كلوزان، الحافظة للآثار الشرقية القديمة في متحف اللوفر، والسيدة دومينيك فور ـ شنايدر، الأمينة العامة ل (ICOMOS) في فرنسا. وأدار الجلسة السيد فرانسوا زبال، المترجم والمحرر السابق لمجلة "قنطرة". وكان عنوان مداخلة السيد رزق بعنوان "العلاقة بين الثقافي والسياسي"، تحدث فيها عن أهمية توثيق المواطنية عبر التربية والثقافة، وعن ضرورة تحقيق تراث جامع الذي يعتبر المشروع الأمثل لإعطاء الإنسان كرامته وحقوقه الكاملة في المجتمع و يحفظه من التجاوزات العقائدية والطائفية التي تحصل خلال فترة الأزمات. أما السيدة كلوزان، فكان موضوع مداخلتها "نظرة أخرى حول أسس الوطن اللبناني ودور التراث". وبعد أن تطرقت بطريقة وجيزة إلى تاريخ المنطقة ولبنان التي وصفته بأنّه يعيش حالياً فترة صعبة مما يهدد ذاكرته الجماعية وغناه وتنوعه الثقافي، فهي ترى بأنّ هنالك بعض التأخير الذي يعود إلى الحالة السياسية منذ استقلال البلد والحرب التي اندلعت عام 1975، ورفض للماضي المفعم بالحزن، مما يمكن تسميته باللجوء الجماعي إلى النسيان. لهذا السبب، فهي تدعو المجتمع اللبناني إلى القيام بمهمة استبطان لإيجاد الحلول المناسبة لتخطيه المراحل الصعبة وتجاوزها. أما السيدة شنايدر، فقد تكلمت عن رمزية التعمير في المجتمع. فبعد أن أعطت بعض المعلومات عن مؤسستها التي تهدف إلى حماية وحفظ واستعمال وإبراز المعالم الأثرية، أشارت بأنّه عندما نتحدث إلى التراث فإننا نتحدث عن الإنسان...إذ لا يمكن ألا يشعر الإنسان بالحزن عند هدم معلم تراثي مهم؛ وأعطت مثل كاتدرائية نوتردام باريس. وأخيراً ألقت كلمة النهاية السيدة باريزا خياري، نائبة رئيس مجلس الشيوخ سابقاً وممثلة رئيس الجمهورية الفرنسية في مجلس التحالف من أجل إعادة تأهيل التراث في مناطق الصراع الذي تأسس مؤخراً وهدفه مساعدة المناطق التي عاشت حروباً ونزاعات لإعادة بناء تراثها المهدم. ودعت جميع المؤسسات التي تودّ إعادة بناء وتصليح معلم ما إلى الاتصال بها من أجل إيجاد الحلول المؤاتية.