نفط وغاز: خلاف حدودي مع سوريا يلوح في الأفق

  • شارك هذا الخبر
Thursday, May 16, 2019

فتح لبنان الباب أمام دورة التراخيص الثانية لموارده البتروليّة في المياه البحريّة، عارضاً خمسة بلوكات للمزايدة بين الشركات، وفاتحاً الباب لغاية 31 كانون الثاني 2020 لتقديم طلبات الاشتراك في الدورة. ومن ضمن البلوكات الخمسة، يطرح لبنان للمزايدة البلوكين 1 و2، وهي تحديداً البلوكات الشماليّة التي تحاذي كامل حدود المنطقة الاقتصاديّة الخالصة لسوريا مع البلوكات اللبنانيّة. وفي حال نجح لبنان في استدراج عروض لهذه البلوكات، يبدو أنّ الأمور ستتجه إلى خلاف حدودي مع سوريا، التي تبادر بدورها إلى تفعيل نشاطها في التنقيب عن الغاز في الجهة الأخرى من الحدود.
عمليّاً، تبلغ المساحة التي تتضارب فيها تقديرات كل من الدولتين لحدود المنطقة الاقتصاديّة الخالصة الخاصّة بها حوالى الـ400 كلم مربّع، وهو ما يوازي نصف المساحة المتنازع عليها اليوم بين لبنان وإسرائيل. وبينما يسير لبنان في مسار سياسي معقّد، للتحضير للمفاوضات مع إسرائيل على ترسيم الحدود البحرية برعاية أميركية، لا يبدو أنّ هناك حتّى الآن أي تحضيرات فعليّة للاتفاق على آليّة تفاوض مع الجانب السوري على المساحة المتنازع عليها.

عوامل التأزّم
ويبدو اليوم أن هناك عوامل عديدة تزيد من حساسيّة مسألة هذا الخلاف الحدودي. فبالإضافة إلى طرح لبنان هذه البلوكات للمزايدة، تتزايد المؤشّرات إلى تسريع النظام السوري، من جهته، في أعمال التنقيب والاستكشاف في المنطقة الاقتصاديّة الخالصة السوريّة، المقابلة تماماً للبلوكات اللبنانيّة. وهو ما أكّد عليه تصريح وزير النفط والثروة المعدنيّة علي غانم منذ أيّام، حين أعلن عن إبرام عقود تنقيب واستخراج مع شركات روسيّة، تقوم حاليّاً بالحفر في المنطقة الساحليّة في شمال سوريا، متوقّعاً البدء بالإنتاج التجاري للغاز من البحر المتوسّط بحلول العام 2023. كما أكّد تصريح الوزير جاذبيّة هذه المناطق البحريّة للشركات، وتركيز النظام السوري عليها، معلناً أن الاحتياطي المقدّر لبلوك واحد يعادل احتياطي البر السوري كاملاً.

وبالرغم من عدم مس النشاط السوري بالمناطق البحريّة المتنازع عليها حتّى الآن، فمن المؤكّد أن النشاط البترولي للدولتين على جانبي الحدود، سيفرض على الجميع النقاش حول مستقبل هذه المناطق البحريّة. خصوصاً أنّها تتمتّع بمزايا فريدة وجذّابة، لناحية سهولة الاستخراج وانخفاض كلفة العمليّات فيها. إذ لا يتجاوز عمق المياه البحريّة في بعض مناطق البلوك 2 مثلاً الـ33 متراً. كما تشير الدراسات المتوفّرة إلى وجود كميّات تجاريّة من النفط، فضلاً عن الغاز.

إشكاليّات الحدود البريّة والبحريّة
ويفتح السجال حول الحدود البحريّة، في هذه المرحلة بالذات، النقاش حول عدّة إشكاليّات، خصوصاً مع ترابط ملفّي ترسيم الحدود البريّة والبحريّة. أبرز تلك الإشكاليّات تتعلّق بامتناع النظام السوري في مراحل سابقة عن التعاون مع محاولات لترسيم الحدود اللبنانيّة السوريّة، كما حدث سابقاً مع اللجنة اللبنانيّة التي أشرف على عملها الوزير السابق جان أوغاسابيان، والتي فشلت في إنجاز هذه المهمّة، بسبب عدم مواكبة المسؤولين السوريين لعملها. ثمّ كانت آخر المحاولات اللبنانيّة في هذا السياق مبادرة الحريري سنة 2017 إلى التوسّط مع الرئيس الروسي لإقناع النظام السوري بإتمام ترسيم الحدود السوريّة اللبنانيّة، من دون أن يلقى تجاوباً.

ويكمن ترابط ملفّي الحدود البريّة والبحريّة تحديداً في اعتماد ترسيم الحدود البحريّة على ترسيم الحدود البريّة، إنطلاقاً من وضع ما يسمّى خط الشاطىء، وهو الخط البري الذي يتم على أساسه قياس الحدود البحريّة. وبالرغم من سلبيّة النظام السوري تجاه محاولات ترسيم الحدود السابقة، يبقى الرهان اليوم على وجود مصلحة ملحّة للطرف السوري في حل هذا النزاع، والإستفادة من حصّته من غاز المنطقة المتنازع عليها، خصوصاً مع حاجته الماسّة إلى حلول اقتصاديّة، في ظل العقوبات المفروضة عليه. ومن ناحية أخرى، يراهن البعض على ارتباط الملف بمصالح الشركات الروسيّة العاملة في المياه البحريّة السوريّة، وهو ما سيشكّل عامل ضغط إضافي لإظهار المزيد من المرونة من الجانب السوري.

وبمعزل عن إشكاليّات التعاون السوري في ملف ترسيم الحدود، تكمن ألغام أخرى من جهة علاقة النظام السوري ببعض الأطراف اللبنانيين. فمسألة التفاوض حول عودة اللاجئين، خضعت سابقاً لسجال داخلي حاد حول طبيعة العلاقة الرسميّة مع النظام السوري، ومستوى هذه العلاقة، خصوصاً مع اشتراط النظام السوري وحلفائه - في مرحلة سابقة- وجود علاقة رسميّة عالية المستوى، تمهّد لمناقشة هذا الملف بشكل واسع. واليوم يكمن التخوّف من سقوط ملف الحدود البحريّة في الدوّامة نفسها، مع إمكانيّة فتح السجال مجدّداً حول شكل العلاقة مع النظام السوري، ووضع هذه المسألة كشرط للانطلاق بمسار حل الخلاف الحدودي.

المصالح الاقتصاديّة تتخطّى الخطوط الحمر؟
طوال الحقبة السابقة، كان ترسيم الحدود ومعالجة النقاط العالقة فيها بعيداً من منال اللبنانيين، لكنّ المصالح الاقتصاديّة اليوم تطغى على ما سواها. إذ أن الملف يفرض نفسه كشرط لاستفادة الدولتين – والشركات الروسيّة العاملة في سوريا- من ثروة غاز المتوسّط. وإذا نجح لبنان في معالجة المسألة من هذا الباب، فسيكون ذلك مثالاً آخر إلى تخطّي المصالح الاقتصاديّة والماليّة للعثرات السياسية والخطوط الحمر المرسومة. أمّا التحدّي الأساسي، فسيبقى بإمكانيّة مقاربة الملف وفق خطّة رسميّة متكاملة، بعيداً عن استعماله لتسجيل النقاط في المناحرات والحزازات السياسيّة الداخليّة.