خاص- بالأرقام- هكذا تقشفت المؤسسة العسكرية في ميزانيتها... ويطمعون فيها أكثر

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, May 7, 2019

خاص- الكلمة أونلاين
ميراي خطار

بدا واضحا بأن السلطة المكونة من مجموعة قوى سياسية تتجه لمدّ يدها الى جيب المواطن من أجل معالجة الواقع المالي في البلاد وانتاج موازنة متقشفة وكأن هؤلاء المواطنين من موظفين وعسكريين هم الذين أوصلوا البلاد الى هذا الحجم من العجز، الا أن المفارقة تكمن في أن السياسيين يريدون "تدفيع" أبناء المؤسسة العسكرية نتيجة فشلهم وهدرهم ولذلك يمدون يدهم الى جيب هؤلاء الذين أمنوا استقرار البلاد وسقط منهم شهداء وجرحى لكي يستطيع الوزير الحضور الى وزارته والنائب الى مجلس النواب من أجل آداء عملهم، بحيث بات الطاقم السياسي يريد أن يرمي الكرة في كل الاتجاهات ومن بينها في ملعب المؤسسة العسكرية وكأنها شاركت في الهدر والصفقات التي تميز بها هذا الطاقم، في حين أنها كانت هي تقدم القرابين على مذبح الوطن.

فقد شكل قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون لجنة درست ما بإمكان المؤسسة العسكرية أن تقدمه لتشارك في معزوفة التقشف لكن القوى السياسية لم تقبل بذلك، حيث أن موازنة المؤسسة العسكرية التي رست على 3 آلاف و 42 مليار ليرة ثم رست على ألفين و904 مليار ليرة يريدون اقتطاع منها 160 مليار من دون تقديرهم لخصوصية المؤسسة وكيفية توزيع المصاريف داخلها.

وكانت القيادة العسكرية قد اتخذت قرارا بتعليق العمل في الخطة الخمسية التي قدرها 500 مليار ليرة والتي كان قد وضعها قائد الجيش العماد جوزيف عون لتأهيل الجيش اللبناني، بحيث كانت قد علقت حاجتها الى 365 مليار ليرة بعد أن كان صرف للخطة الخمسية 135 مليار وذلك تجاوبا مع سياسة التقشف التي ستعتمدها الموازنة، وكذلك عمدت الى توقيف تطويع تلامذة الضباط، فيما ضبطت حركة التطويع التي هي بحاجة اليها نتيجة دورها العسكري على مدى الأراضي اللبنانية، من الناقورة حتى عكار ومن الحدود الشمالية حتى الساحل.
وكان سبق ذلك تجاوبا مع مطالب تقشفية تراجعا عن تسريح 1600 عسكري لصالح بقاء 900 الذين يشكلون حاجة للمؤسسة بعد أن تبلغت عدم القدرة على صرف الأموال لهم.

الا أن كل ذلك يبقى سهلا أمام الدخول الى المنظومة الغذائية لعناصر المؤسسة والذين هم في معظمهم ينتشرون ميدانيا وليسوا من الذين يعملون وفق الدوام الرسمي، بحيث طلب من المؤسسة أن تخفض من قيمة التغذية من 80 مليار ليرة لبنانية الى 72 مليار ليرة في حين ان هذا الواقع يعتمد على العنصر النفسي للحفاظ على معنويات العسكر الذين من المعلوم أن البذخ والرفاهيو لا تطال حياتهم ومأكولاتهم، فالجندي اللبناني يكلف المؤسسة يوميا نحو 5650 ليرة يوميا، لأن المؤسسة العسكرية هي التي تعد المأكولات من خلال مطابخ خاصة بها ولا تعتمد على منطق الوجبات السريعة أسوة بغير جيوش الذين يدفعون ثمن الوجبة الجاهزة ما يقارب 12 دولار أميركي في وقت أصبح معروفا لدى الجميع الوجبات المتواضعة التي يحصل عليها الجندي اللبناني.

وفيما خص التدبير رقم 3 الذي يشغل السياسيين الذين يريدون التضييق على المؤسسة فإن كلفته لا تتجاوز ال 5 مليار ليرة في الشهر، مقارنة بين التدبير رقم 1 والتدبير رقم 3، اذ في القانون العسكري يتطلب تدبير رقم 1 جهوزية 25% من الجيش اللبناني، فيما يتطلب التدبير رقم 2 خمسين بالمئة من الجهوزية، أما التدبير رقم 3 يتطلب أقله 75% من الجهوزية، حيث وصلت نسبة الحجز لدى المؤسسة العسكرية في زمن الانتخابات 95% من الجهوزية.

أي أن العسكر اللبناني "لا يرتاح"، ففي بعض الثكنات والألوية تكون خدمة العنصر ستة أيام مقابل يومين اجازة، وصولا الى أن بعضهم يحصل على يومين فرصة مقابل تسعة أيام عمل في الأماكن الصعبة، والفارق بين الواقع الحالي الذي يطبق خلاله التدبير رقم 3 من خلال هذه الجهوزية لا يشكل فرقا يتجاوز ال 3 مليون دولار في الشهر بحيث لا يتجاوز في السنة 36 مليون دولار هي اقل من صفقة لمشروع يتم بالتراضي أو لتلزيمات متوافق عليها أي أن هذا الموضوع حصل على حيز أكبر من واقعه وتم تسويقه بطريقة مسيئة للجيش، بحيث يخدم الجندي في المؤسسة العسكرية نحو 480 ساعة في الشهر، في حين أن الموظف المدني من الدرجة ذاتها نحو 160 ساعة في الشهر، ويحصل على ساعات اضافية اذا ما مدد عمله، فهل من المقبول ضرب معنويات الجنود والتقشف في حقهم من التفكير بأن هؤلاء هم أبناء الوطن وحماته، وهم الذين يؤمنون الاستقرار من خلال سهرهم الدائم على أمنه؟ وهل من المعقول أن نبخل عليهم بثلاثة ملايين دولار في الشهر، في حين أن ليس هذا هو الرقم الذي "يعمل الفارق المطلوب" في حسابات الموازنة.

وفيما خص قسائم البنزين التي يحصل عليها الضباط فهي جاءت كملحقات "جرى رصدها" على الراتب لأن حينها لم يكن بالامكان زيادة الرواتب لتحقيق التوازن مع رواتب الموظفين المدنيين، اذ في الواقع أن نصف راتب العسكري هو اساس الراتب ويضاف اليه ملحقات منها التجهيزات العسكرية، وكذلك الأمر مع الضباط حيث يضاف السكن وغيرها من المعايير التي تأتي لتوازن بين الرواتب لكنها في النتيجة هي ضمن حقوقهم، الا أن الذي يحصل هو أنهم يريدون أن تقلص المؤسسة العسكرية مصروف المحروقات من 125 مليار الى 93 مليار لكن القيادة تمكنت من اقتطاع 15 مليار، لكنها لا تستطيع أكثر من ذلك لأن ذلك مرتبط بالاجراءات الأمنية والدوريات العسكرية.

حتى إن التقشف الذي اعتمدته القيادة يصل الى حد عدم شراء ذخيرة وآليات وكل ذلك على حساب مهمات استراتيجية للمؤسسة وعوامل معنوية لأفرادها.
ومع كل ما وصلت اليه المؤسسة من اجراءات تقشفية واتصالات علنية اجراها وزير الدفاع الياس بوصعب وأخرى غير علنية، قام بها قائد الجيش العماد جوزيف عون مع القوى كافة، لا يزال بعضهم يريد أن تقتطع المؤسسة 120 مليار ليرة من ميزانيتها ويتطلعون في قرارتهم هذه الى ما يحصل عليه الضباط أو الجنود في حين أن أساس راتبهم لا يؤمن لهم الحد الأدنى المقبول.

والسؤال المطروح بما سيستفيد الضابط أو الجندي الشهيد اذا كان رابته عاليا وخسر حياته وخسرته عائلته؟ فهل يجوز أن نبخل على من فقد جزءا من أطرافه في مهمات مواجهة الارهاب التي جعلت لبنان في حالة من الاستقرار من أجل مبالغ زهيدة تؤثر على المؤسسة العسكرية ومعنوياتها واستراتيجيتها ولكنها لا تترك أثرا في الميزانية العامة؟
اذا المشكلة ليست في المؤسسة العسكرية ولا في ضباطها والأفراد الذين لا تؤمن لهم المؤسسة المسكن الذي على سبيل المثال يدوّن كبدل ملحق على الرواتب اذ كل ذلك هو نتيجة نظرة خاطئة تجاه ما ترتبه المؤسسة العسكرية من مصاريف مقابل ما تؤمنه من ضمانة واستقرار للمواطن، وعدد الشهداء الذين منذ مواجهة الارهاب في نهر البارد حتى الأمس القريب الدليل الواضح على أن المؤسسة العسكرية تقدم أكثر مما تحصل عليه خصوصا أن العماد جوزيف عون لا يريد أن يسجل عليه بأن خلال فترة قيادته تهاون فيما خص معنويات ومهام المؤسسة الاستراتيجية.

في الختام، قد تكون شريحة من المواطنين كوّنت تصورا مغلوطا عن مصاريف المؤسسة العسكرية بعد تحركات متقاعدي المؤسسة العسكرية الأخيرة، والكلام عن رواتبهم العالية، لكن من حصل على رواتب مرتفعة هو الذين طالتهم سلسلة الرتب والرواتب مؤخرا، ثانيا، إن هؤلاء باتوا مرتبطين بشكل مباشر بوزارة المالية المعنية بوضعهم المالي ولا علاقة لهم بالمؤسسة العسكرية، اضافة أن ليس كل هؤلاء يتقاضون رواتب بالنسبة نفسها اذ أنه من الطبيعي أن يكون لبعضهم رواتب تقارب ال 3 مليون لأنهم تقاعدوا في سنوات سابقة فيما من طالتهم السلسلة خرجوا بأرقام أعلى من ذلك، وجاءت ممارسات بعضهم انفعالية لتعكس الى حد ما انطباعا في غير مكانه.