عاد السجال ليحتدم حول ردم الحوض الرابع في مرفأ بيروت، بين معارضين ينظرون إليه كـ"صفقة مشبوهة" ومدافعين عن "الجدوى الاقتصادية" للمشروع.
أهمية الحوض الرابع بالنسبة للمرفأ وللعاصمة ولبنان عموماً، تتلخص بأنه من أكثر الأحواض عمقاً في شرق المتوسط، إذ يصل عمقه الى 14 متراً مع 3 أرصفة، طول كل منها يزيد عن 450 متراً، ويسمح برسو عدد من السفن الكبيرة في آن واحد، ما يعني أنه يستوعب البواخر المخصصة للبضائع والتي تتخطى حمولتها الـ 50 ألف طن، والبواخر العسكرية التي تحتاج الى عمق بين 10 و14 متراً، هذا الى جانب تشغيل آلاف الشاحنات والعمال. فلماذا يرادُ ردمه؟
تبريرات إدارة المرفأ
تستند إدارة المرفأ في تبريرها للردم، إلى نتائج الدراسة التي لزمتها وزارة الأشغال العامة والنقل لشركة "خطيب وعلمي"، بالتراضي وبكلفة مليون دولار، حيث خلصت إلى أن ردم الحوض الرابع هو الخيار الأفضل لتأمين مساحات إضافية للحاويات، كما أنّ المشروع سيساهم في تفادي تجدد أزمة الازدحام في محطة الحاويات والباحات، وتفعيل دور المرفأ على صعيد حركة المسافنة نحو مرافىء البلدان المجاورة".
ويذهب "المؤيدون" إلى حد التأكيد أن ردم الحوض الرابع لن يؤثر على عمل المرفأ سلباً بل سيطوّره، "لأن مساحة تجميع الحاويات ستكبر، وعمق المياه سيغدو 15.5 متراً، في حين أن عمق مياه الحوض الرابع اليوم لا تتجاوز 14 متراً".
المعترضون يفنّدون
كل هذه التبريرات لم تقنع المعترضين، الذين لا يخفون خشيتهم من مخطط لـ"خصخصة المرفأ"، خاصة مع "استيلاء" شركة "سوليدير" على الحوض الأول وما قد يجرّه ذلك من تداعيات. كما يشكك هؤلاء بقانونية الجهة المسؤولة عن هذا الملف، أي اللجنة المؤقتة لإدارة مرفأ بيروت (منتهية الصلاحية)، وهم لا يخفون ريبتهم من "نواياها المبيتة".
ويورد المعترضون جملة أسباب تؤكد أن الضرر الذي سينتج عن هكذا خطوة كبير:
أولا، حرمان المرفأ من خدمات لوجستية وتجارية هو بأمس الحاجة إليها لدعم حركة الملاحة التجارية
ثانياً، ضرب مصالح العمال وأصحاب الشاحنات...
ثالثاً، تراجع قدرة المرفأ على استيعاب عدد أكبر من الحاويات في حال ردم الحوض الرابع
وبالإضافة إلى هذه الأسباب المباشرة، لا يخفي المعترضون خشيتهم من وجود "مخطط" لتجريد بيروت من ثقل اقتصادي كبير، وشطبها عن خريطة النقل البحري الدولي واستبدالها بطرابلس لغايات تتعدى الاقتصاد إلى السياسة.
هذا بالإضافة إلى أن ردم الحوض، وفق ما نصحت به دراسة "خطيب وعلمي"، يكلّف 270 مليون دولار، أي بمضاعفة الكلفة التي كانت منذ ثلاث سنوات 130 مليون دولار وكانت بدورها عرضة للشبهات.
مع الإشارة إلى أن تقريرا دوليا حذر من أن ردم الحوض الرابع من شأنه أن يجرّ أثرا سلبياً على علاقات لبنان مع شركائه الدوليين مع وقف دخول أي سفينة عسكرية الى مرفأ بيروت، ولا سيما تلك التابعة للقوات البحرية التابعة لـ"اليونيفيل" التي ستضطر إلى الرسو في موانئ أخرى في البحر الأبيض المتوسط، والأخطر من كل ذلك أن المرفأ الأقرب إلى مرفأ بيروت جغرافياً واستيعابياً هو مرفأ حيفا.
مواقف الأطراف السياسية
أمام كل هذه المعطيات، لا تخفي جهات سياسية ودينية ونقابية رفضها القاطع للمشروع، فبكركي التي شكل رأس حربة "المعسكر المعارض" تشدد على أن رفضها هذا لا ينطلق من خلفية طائفية بل من منطلق وطني وإنساني، خاصة أنّ أكثر من 2000 عائلة ستتضرر في حال ردم الحوض الرابع.
الاعتراض لا يقتصر على البطريركية المارونية، بل يمتدّ بشكل أساسي إلى كل من "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" و"المردة" و"الطاشناق" و"الكتائب اللبنانية"، هذا بالإضافة إلى عدد من النقابات وعلى رأسها "نقابة أصحاب الشاحنات" التي هدد رئيسها شفيق القسيس في أكثر من مناسبة بخطوات تصعيدية في حال السير بهذا المشروع.
إذاً، وفي ظل هذه المعضلة، أي خيارات يمتلك المعترضون من أجل وقف عملية ردم الحوض الرابع بشكل نهائي هذه المرة خلافا لما حصل عام 2015؟ وهل آن الأوان لعرض الملف على طاولة مجلس الوزراء؟