خاص ــ استقالة "ظريف".. خلط الأوراق بوجه الجميع!

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, February 27, 2019

خاص ــ الكلمة اونلاين

علاء حسن


لم يكد الإعلان عن استقالة عميد الدبلوماسية الإيرانية والوزير الأكثر شهرةً محمد جواد ظريف والمعروف في إيران بمعمار الاتفاق النووي يخرج للعلن حتى ارتبكت الدوائر السياسية الداخلية والخارجية على أكثر من مستوى وتلبدت الأجواء فوق أكثر من عاصمة.

الخبر الذي لم يصدقه أحد في بادئ الأمر تحول تدريجياً إلى كرة ثلج أصابت شظاياها المتناثرة كلاً من رئيس الجمهورية حسن روحاني الذي رفض الاستقالة حتی هذه الساعة والمرشد الذي كان يتصدر الأخبار الداخلية والعالمية باستقباله الرئيس السوري بشار الأسد وجهاز الدبلوماسية الإيراني الذي أصيب بالشلل وصولاً إلى تهديد بعض الديبلوماسيين والمديرين في الوزارة بتقديم الاستقالة الجماعية في حال تم المصادقة على استقالة ظريف الأمر الذي استنكره ظريف ودعا إلى عدم حصوله.

ويبدو واضحاً أن الاستقالة لم تأت نتيجة عدم دعوة ظريف للاجتماعات التي أجراها الرئيس السوري في إيران وحسب لأن ظريف نفسه يعلم بلعبة دوائر القرار ومراكز القوة في البلد وما ينتج عنها أحياناً من أمور قد تبدو مخالفة للأعراف الدبلوماسية، بل إن هذه الاستقالة هي تعبير حقيقي عن المثل الشعبي الدارج "المسألة ليست مسألة رمانة بل هي مسألة قلوب مليانة"، فظريف الذي صرح الأسبوع الماضي في مقابلة مع إحدى الصحف الداخلية ولم تنشر إلا بعد الإعلان عن الاستقالة، قال أن السياسة الخارجية للدولة معرضة للتدخلات من التيارات والأجنحة السياسية المتصارعة في الداخل ويعد هذا سمّاً قاتلاً للسياسة الخارجية.

وفيما خص زيارة الرئيس السوري بشار الأسد تفيد المعلومات المتوفرة أن الزيارة جاءت بتنسيق من خارج مؤسستي الرئاسة والخارجية وأن روحاني نفسه علم بموعد الزيارة قبل ساعات قليلة من حصولها الأمر الذي أربك المعنيين وحصل سوء التفاهم الذي حصل وفي نفس السياق أعلن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني " أنه كان مقرراً أن يسافر برفقة ظريف إلى جينيف يوم الإثنين لكن تم إلغاء السفر من قبل وزارة الخارجية في وقت متأخر مما يعزز نظرية عدم علم رئيس الجمهورية بوجود ظريف داخل إيران واعتباره خارجها بحسب جدول الأعمال المصادق عليه من قبله".

وبصرف النظر عن الأسباب التي أدت للاستقالة والروايات المتعددة التي تخرج من هنا وهناك يبقى أننا أمام واقع يتمثل في نقطتين جوهريتين:

الأولى وهي حدوث الاستقالة في الظروف المتشابكة داخلياً وخارجياً والثانية التبعات التي قد تنجم عن قبول الاستقالة من قبل روحاني.
ففي حين استنفرت كل أجهزة النظام المعنية من مجلس الأمن القومي إلى لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان إلى باقي المؤسسات وبدأت اجتماعاتها لتقييم الموضوع واتخاذ القرار وفق التقدير الذي ينتج عن هذه المشاورات؛ فإن التحليلات التي تناولت هذه الخطوة، تباينت حول خلفياتها والأسباب التي أدت إليه.
ابرز هذه التحليلات حصرت الموضوع بالصراعات الداخلية التي أعلن ظريف معاناته منها وأنه لم يعد قادراً استكمال مهامه في ظل التدخلات التي تأتي من خارج المؤسسات ذات الصلة، لكن جوهر الأمر يكمن في شعور ظريف فشل المنظومة الدبلوماسية التي قامت على أساس التفاوض مع الدول الكبرى من أجل تحصيل مكتسبات تعيد بلاده إلى الخارطة الدولية وتتمكن من التعامل مع المجتمع الدولي بعيداً عن وصمة الإرهاب والتمرد التي رافقتها خلال السنوات الأربعين التي تلت الثورة الإسلامية. وأن ظريف استبق استحقاق الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها بعد أربعة أشهر وما سيرافقه من شد للحبال واستغل الفرصة التي أتته على طبق من ذهب كي يخرج من الوزارة صاحب حق محافظاً على انجازاته. أما استغلاله للتوقيت في الوقت الذي بدأ الإيرانيون بالتحضير لاحتفالات عيد النوروز في الواحد والعشرين من شهر آذار وما يرافق ذلك من انشغال المجتمع الإيراني في التحضير للعيد والعطلة المرافقة له (15 يوماً)، فقد جاء من باب إحداث صدمة وإشغال الرأي العام بقضية تجعل منه بطلاً ، وهو ما قد أشار إليه ظريف حين قال:" آمل أن تكون الاستقالة نقرة تعيد وزارة الخارجية إلى مكانتها القانونية في العلاقات الدولية".

التحليل الآخر قدمه معارضو ظريف وروحاني قائلين أن الاستقالة في الشكل والمضمون جاءت لمواجهة ديبلوماسية المرشد والاتجاه الاستراتيجي الذي يعتمده بالتركيز على محور المقاومة وتشكيل جبهة بمواجهة الاستكبار العالمي بحسب هؤلاء. وهي الاستراتيجية المقابلة لاستراتيجية روحاني – ظريف التي ركزت على مجموعة من الدول النافذة في المجتمع الدولي وتجاهلت باقي اللاعبين خلال السنوات الماضية. وأنه بعدما يئس روحاني من تمرير مشروعه في الحصول على التوقيع على مشروع "مجموعة العمل المالي FATF” من قبل مجمع تشخيص مصلحة النظام بعد الخلاف حول هذا الموضوع بين مجلسي النواب وصيانة الدستور، قام بهذه الخطوة أثناء زيارة الأسد لطهران للضغط باتجاه الحصول على الموافقة على المشروع أو تعزيز فكرة التناقض بين المقاومة والشأن المعيشي للناس وتحضيراً لاستغلالها خلال الأشهر القادمة الفاصلة عن الانتخابات النيابية، وخاصة إذا ما تم ربط ذلك، بالتصريحات الأخيرة لأحد كبار الإصلاحيين الذي قال بأن الخطأ الاستراتيجي تمثل في إدخال ولاية الفقيه إلى الدستور.

من حيث الشكل يقول هؤلاء بأنه كان من المفترض أن تكون الصورة التي جمعت الرئيس الأسد بالمرشد الأعلى مفاجئة لبمبيو ونتنياهو وتقابل صورة المجتمعين في شرم الشيخ ويتحول خبر زيارة الأسد إلى صدارة الأخبار الإقليمية والدولية ورمزاً لانتصار محور المقاومة، ولكن استقالة ظريف وعلى وسائل التواصل الاجتماعي خطفت الأنظار كلياً عن الزيارة والمكتسبات المرجوة منها وهي بذلك تعد مثابة خطيئة لا تغتفر.

وبين الفئتين الأولى والثانية، هناك تحليل ثالث أكثر تفاؤلاً يتحدث عن تماسك النظام وتوزيع الأدوار ويفسر استقالة ظريف في إطار الضغط على الاتحاد الأوروبي للتخفيف عن المراوغة التي يمارسها على إيران واحتمال مجيء فريق أكثر تشدداً إلى سدة الدبلوماسية يقلب الطاولة على كل التوافقات التي جرت إلى الآن. ويذهب هذا الفريق بعيداً في تحليله ليقول أن الهدف الأساس من وراء هذه الاستقالة هو التمهيد لخروج إيران من الاتفاق النووي الذي قد تعلنه في وقت قريب.

في الخلاصة وبغض النظر عن التنسيق الذي أجراه ظريف في قرار الاستقالة والجهات الداعمة له في هذه الخطوة والمعارضة له فإن كل الأطراف بدءاً برئيس الجمهورية والنواب وحتى المرشد الأعلى مجمعون على رفض الاستقالة واعتبارها في غير صالح البلاد، الأمر الذي يعني احتمال عودة ظريف عن الاستقالة بقوة وهو ما ستشهده الأيام القادمة ..