أحمد الأيوبي - رفيق الحريري.. حسينُ العصر وشهيدُه

  • شارك هذا الخبر
Thursday, February 14, 2019


تأتي ذكرى إستشهاد رفيق الحريري هذا العام في ظل تزاحمِ الإستحقاقات الدولية والإقليمية وإلقائها بثقلها على الواقع اللبناني ، مع إنفراط عقد قوى 14 آذار وتوسيع "حزب الله" سيطرته على الدولة وتحوّله إلى المرجعية القابضة على خناق الكيان اللبناني.
واجه رفيق الحريري تحدياتٍ هائلة ، وخاصة في السنوات الأخيرة من حياته تحت وطأة طغيان النظام السوري وفي ظل إدارته الجائرة للبنان ، الضاربةِ عرضَ الحائط عيشَه المشترك وصيغته المتنوعة وحريته التاريخية ، وبنى اللّبنات الأولى للمعارضة الوطنية قبل أن تغتاله يد الإجرام المشتركة لمحور الممانعة..
كان رفيق الحريري يدرك أنه يواجه الوحش بقواه وشرّه وإرهابه وأحقاده ، ومع ذلك لم يخف ولم يتردّد في المواجهة المتدرجة ، وهو واعٍ لحقيقة المواجهة وأثمانها المنتظرة..
كان إغتيال رفيق الحريري مفجّرَ الإستقلال الثاني وفاتحةَ مرحلةٍ ذهبية شكّلت تلاقياً غير مسبوق بين أطياف الشعب اللبناني ستبقى مصدرَ فخرٍ لمن عاشها وشارك فيها وضحّى في مسيرتها التي ضمّت أرتال الشهداء والجرحى والضحايا ، وتقلّب فيها الشعب اللبناني بين رحى الموت ولظى التفجيرات والإرهاب..

تأتي ذكرى إستشهاد رفيق الحريري بعد أن خاض نجله سعد مساراً إنحدارياً منذ سنوات بلغ حدوده بعد الإنتخابات النيابية الأخيرة ودخل في تحوّلاتٍ صعبة وتحالفاتٍ متقلّبة ، أبقته في صدارة المشهد السياسي ، لكنها أثخنته بالإنكسارات والصعوبات المتعاقبة والمعقّدة التي أوصلت إلى الواقع الراهن.

يقف سعد رفيق الحريري اليوم على مفترق طرقٍ شديدِ الخطورة ، فهو تمكن بعد جهدٍ وبعد معركة مرهقة أثخنته بالإصابات المؤلمة داخل تياره وخارجه من أن يبقى الأول سنياً ، لكنها أدخلت ، من خلال النسبية الملغومة ، طابوراً خامساً نيابياً تجسد في ما يسمى "اللقاء التشاوري" وبقية النواب من سنة 8 آذار الذين تمكن "حزب الله" من توزير ممثل عنهم في حكومة الحريري الثالثة.

المعادلةُ الصعبة التي يحتاجها سعد رفيق الحريري هي أن يوازن بين خياراته أو إحتياجاته السياسية الآنية ، وبين تأثيراتها على التوازنات الوطنية في البلد.
فتحالف الحريري مع جبران باسيل قبل الإنتخابات كان تجربة سيئة تردّد صدى سوئها في كلّ إتجاه ، وحصدها زعيمُ التيار الأزرق في نتائج الإنتخابات وما تلاها وصولاً إلى تشكيل الحكومة..

لم يكن الإعتراضُ السنـّي (السيادي) هو الذي يهدّد زعامة سعد الحريري ، بل إن جموح جبران باسيل وطغيانه وتحطيمه للأعراف والمعادلات المنبثقة عن إتفاق الطائف هو الذي أساء لصورته ومكانته ، حيث بدا الزعيمُ العونيّ غير عابئ بإحترام موقع حليفه ، سامحاً للجميع بأن يتهموه بالتفريط بموقع رئاسة الحكومة وبتضخيم الحالة الباسيلية على حساب الجميع ، وسط تواطئ مكشوف من "حزب الله".

لا يحتاج سعد الحريري إلى مواجهة وليد جنبلاط بقدر ما يحتاج إلى فرض التوازن في العلاقات والحكم والمؤسسات والممارسات في الحياة السياسية.
ليس صحيحاً أن سعد الحريري ضعيف ، وهو المستند إلى شرعية نيابية وإرث رفيق الحريري وإلى علاقاتٍ عربية ودولية لا تزال هي الأقوى في المعادلة الداخلية ، مما يجعله حاجة لجميع الأطراف ، حلفاء وخضوم على حدٍ سواء.
لدى سعد الحريري شركاء أثبت مسارهم أنهم من أهل الطائف وحماته ، وهؤلاء هم الحلفاء الطبيعيون له ، بعيداً عن عثرات السياسة اليومية ، ولن يكون إستكمال مشوار السياسة بدونهم مجدياً على المستوى الوطني..
ربما تراود البعض فكرة قلب الطاولة أو بعضها لتوسيع دائرة نفوذهم وطموحاتهم ، لكن هذه المخاطرة ستسمح للمنقلبين أن يعزلوا سعد الحريري الذي سيكون بالنسبة إليهم جزءاً من الطبقة الواجب إزاحتها..

لدى سعد الحريري مواطن قوة كبرى ، أهمها أن منتقديه بالإجمال يعبّرون عن إعتراضهم حرصاً عليه وحبة بأبيه الشهيد ، وليس من باب الحقد أو الضغينة أو الإستهداف.. وهو يعرف جيداً من يحمل الأحقاد التاريخية عليه وعلى نهج والده وعلى الدستور والطائف والعيش المشترك!

سيبقى رفيق الحريري لسنواتٍ طويلة في قلب المعادلة اللبنانية والعربية والدولية ، كحسين هذا العصر بالمظلومية والشهادة ، لكن أحباء رفيق الحريري لم يلطموا وجوههم ولم يجلدوا ظهورهم ولم يثيروا الأحقاد وهم يشاركون في قتل إخوانهم عبر حدود العالم العربي ، كما فعل الأدعياء من حملة رايات الحسين الجدد..

ما فعله أحباءُ رفيق الحريري هو أنهم إنخرطوا في مشروع الدولة وضَحَّوا لأجله كما ضحى شهيدهم وشهيد الوطن ، وتمسّكوا بالحرية والدستور والعروبة في وجه جنون القتل والإرهاب!
رفيق الحريري شهيدُ العصر وحسينـُه المظلوم ، وهو الذي مضى مبتسماً في شهادته وهو واثق بأن قاتليه سيقفون أمام المحكمة ذات يومٍ وأمام عدالة الديّان سبحانه حيث هناك ستتحقـّق العدالة الحقيقية التي لن توقفها أطنان المتفجرات وحجيم الإنقلابات!.