جوزف فرح- مُؤشّرات ماليّة إيجابـيّة فـي الـعام 2018 رغم صناعة الـيأس

  • شارك هذا الخبر
Friday, February 8, 2019

يعمد حاكم مصرف لبنان رياض سلامه دائماً ومنذ توليه حاكمية المركزي الى النظر الى الكوب بنصفه الملآن في الحديث عن الاوضاع النقدية والمالية وحتى الاقتصادية وليس بنصفه الفارغ، وهو من اجل ذلك يعمد دائماً الى طمأنة المواطنين والمودعين الى ثبات سعر صرف الليرة اللبنانية ومتانة الوضع النقدي متسلحاً بارقام بين يديه للرد على كل المشككين وصانعي اليأس وبث الشائعات، رغم الاوضاع الاقتصادية والمالية المأزومة التي شهدتها البلاد في العام 2018 وفي الشهر الاول من العام 2019.

وكان سلامة يردد دائماً ان المطلوب تشكيل الحكومة لكي يستعيد لبنان عافيته الاقتصادية بدليل انه بعد عملية التشكيل اصبح الدولار معروضاً في السوق المحلية لشراء الليرة اللبنانية، كما ارتفعت اسعار سندات الـ«يوروبوندز» بنسبة 10 في المئة قياساً على الاسعار التي كانت بلغتها.

ليس هذا فحسب بل ان الارقام والمؤشرات المالية في العام 2018 لم تكن كلها سلبية، وذلك بفضل التدابير والتعاميم التي اصدرها حاكم مصرف لبنان، صحيح ان ميزان المدفوعات سجل عجزاً بقيمة 823،4 مليارات دولار فان الودائع لغير المقيمين سجلت زيادة بقيمة 4 مليارات دولار تقريباً وبالتالي فان العجز الحقيقي لا يتجاوز الـ700 الى 720 مليون دولار اميركي لان هذه الودائع تسجل سلباً في ميزان المدفوعات.

الجدير ذكره ان العجز في الميزان التجاري يتجاوز الـ17 مليار دولار وذلك بسبب عمليات الاستيراد التي تتم بالعملة الصعبة وهذا الرقم غير موجود في ميزان المدفوعات وهذه نقطة ايجابية تسجل في خانة ميزان المدفوعات ايضاً.

وان تغير صافي الموجودات الخارجية لمصرف لبنان في السنة الجارية يشمل صافي فرق سندات دين الجمهورية اللبنانية بالعملات الاجنبية المتداولة عالمياً والمكتسبة من مصرف لبنان خلال السنة ذاتها فقط.

والجدير ذكره ان العجز في ميزان المدفوعات سجل عجزاً في ايار الماضي بقيمة مليار و203 ملايين دولار اميركي، وفي شهر تشرين الاول عجزاً بقيمة مليار و800 ملايين دولار اميركي.

في المقابل، كان العجز في ميزان المدفوعات في العام 2017 حوالى 155 مليون دولار، لكن ارتفع في العام الماضي نظراً للضغوطات الاقتصادية والسياسية التي تعرض لها البلد.

رقم ايجابي يسجل ايضاً على صعيد النمو في الودائع الذي سجل 4 في المئة رغم الاوضاع المعروفة بينما كانت التوقعات لا تتجاوز الـ3 في المئة بما فيها ودائع غير المقيمين التي زادت بنسبة 10 في المئة وهذا دليل الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني وزيادة الفوائد في النصف الثاني من العام مع العلم ان الفوائد على الودائع خلال سنة لم تتحرك اكثر من نقطتين.

والموجودات الخارجية لمصرف لبنان تراجعت قليلاً في العام 2015، اي بما قيمته 3،2 مليار دولار لتبلغ 7،39 مليار دولار في كانون الاول الفائت ويعزى ذلك بخاصة الى تسديد ثلاثة اصدارات يوروبوند محررة بالدولار الاميركي واليورو الاوروبي بما يناهز 230،2 مليون دولار في حزيران وتشرين الثاني 2018 والى موجة تحويلات صافية لمصلحة العملات الاجنبية خلال النصف الثاني من السنة الماضية مع تنامي الشكوك حيال تشكيل الحكومة، ما عطل الاثر الايجابي لعمليات المقايضة (السواب) التي اجريت في ايار 2018، وفي هذا السياق كرر حاكم مصرف لبنان مراراً عديدة التأكيد على ان الليرة اللبنانية مستقرة وان لدى المصرف المركزي الامكانات الكفيلة بالدفاع عن استقرار العملة الوطنية.

اما فائدة من يوم الى يوم (الانتربنك) فقد عادت الى معدلاتها الطبيعية 6 في المئة، بعد ان شهدت تقلبات حادة في النصف الثاني من العام 2018 بسبب قلة السيولة بالليرة في السوق النقدية بحيث وصلت الى 75% في شهر كانون الاول الماضي، وهو اعلى مستوى لها منذ استقالة الرئيس سعد الحريري في تشرين الثاني 2017 قبل ان تخفض الى 35% في اواخر العام الماضي والى مستوياتها الطبيعية عقب مواقف الدعم المعلنة من قبل بعض الدول الخليجية.

وبلغت نسبة تغطية الكتلة النقدية بالليرة بالموجودات الخارجية لمصرف لبنان حوالى 80 في المئة، اما الـ20 في المئة فتذهب للرواتب والاجور للقطاع العام والمعاملات الرسمية وذلك بفضل التدابير التي اتخذها مصرف لبنان للحفاظ على استقرار سعر صرف العملة الوطنية.

كما حافظ النمو على 5،1 في المئة وعلى التضخم 6 في المئة، كما ارتفعت ميزانيات المصارف بمعدل 13 في المئة، كما ارتفعت موجودات المصارف بنسبة 3/1،6 وهذا دليل عافية في القطاع المصرفي اللبناني.

اما الدولرة فبقيت محافظة على حدودها بنسبة 70 في المئة بعد ان كانت 69 في المئة وهي اليوم بحدود 8،69 في المئة، مما يؤكد قدرة مصرف لبنان على الدفاع عن ثبات سعر الصرف الاسمي.

ويأتي نمو الودائع بمعظمه عن الودائع بالعملات الاجنبية بنسبة 2،6 في المئة.

ويشير التقرير السنوي لبنك عودة الى انه رغم التباطؤ الاضافي للنشاط الاقتصادي المحلي، فان نوعية الموجودات المصرفية لا تزال جيدة والديون المشكوك بتحصيلها لا تزال مستوعبة، ومؤخراً اعلن حاكم مصرف لبنان عن ارتفاع بسيط في نسبة الديون المشكوك بتحصيلها الى التسليفات الاجمالية من 2،3 في المئة في كانون الاول 2017 الى 8،3 في المئة في كانون الاول 2018.

على اية حال، يبقى الاحتياطي من العملات الاجنبية افضل داعم لليرة اللبنانية لان مصرف لبنان يملك حوالى 35 مليار دولار اميركي وهي كفيلة بأن يبقى مصرف لبنان اللاعب الاساسي في سوق القطاع والقادر على لجم اي جنوح نحو عدم تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية (بنسبة 80 في المئة من الكتلة النقدية بالليرة) والسيولة المصرفية المتوافرة.

لا يمكن الا التأكيد ان حاكم مصرف لبنان تمكن من ابقاء الوضع النقدي بعيداً عن التجاذبات السياسية المؤثرة ومن الحفاظ على الاستقرار النقدي رغم ما شهدته البلاد من ازمة عدم تشكيل الحكومة واستهداف الحاكم ومصرف لبنان بشائعات وصناعة اليأس، والحديث المتكرر عن الانهيار الاقتصادي الذي يأتي مقدمة للانهيار المالي وربما الانهيار النقدي.

ومع تشكيل الحكومة، ارتاحت الاسواق المالية وارتاح معها حاكم المركزي وعادت الارقام اكثر ايجابية من قبل.