النهايات "البائسة" لتفاهمات العهد!

  • شارك هذا الخبر
Monday, December 10, 2018

غالباً ما تأتي التسويات بين قوى متعارضة، انطلاقاً من حساب عقلاني للربح والخسارة. يجد الطرفان في تفاهمهما حاجة ضرورية، إما للحفاظ على مصالحهما أو لتعزيزها.
منذ اليوم الأول للتسوية الرئاسية بين "تيار المستقبل" و"التيار الوطني الحرّ"، أُطلق عليها صفة "الصفقة". رئيس للجمهورية مقابل رئيس للحكومة. وتندرج تحت هذا البند تسويات وتفاهمات وفق مبدأ المحاصصة بمعناها الصفيق. إتفاق معراب، أيضاً، بين "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحرّ"، كان مصلحياً إلى حدّ بعيد. وعلى الرغم من أهميته في "المجتمع" المسيحي، إلا أنه كان نابعاً أيضاً من حسابات ضيقة لكلا الطرفين. فالتيار يريد الرئاسة لعون، والقوات تريد توسيع الشعبية المسيحية لها وإظهار رئيسها سمير جعجع قائداً مسيحياً، يغلّب المصلحة العامة على مصلحته الخاصة!

القضم البطيء
أفضت هذه الروحية السياسية إلى التهاء الأفرقاء الثلاثة بكعكة الحصص، واستغراقهم في المزاحمة على المغانم: مقعد وزاري هنا، مرشح نيابي هناك. سجالات حول التعيينات الإدارية، وصراع على المكاسب الوظيفية في الإدارات العامة.. وبإغفال تام للاستراتيجيا، للسياسات العامة، ولصوغ القرار الوطني. وحده حزب الله كان يرسم تلك الاستراتيجيا، ويحدد الأهداف الكبرى، وجهة لبنان وهويته وأدواره. يمارس لعبة النفس الطويل والقضم البطيء. فهو لم يخرج من ساحاته الإقليمية، ولم يترك الاستحقاقات الداخلية.

عند كل محطّة مفصلية يلجأ إلى "شدّ اللجام" وإعادة تصويب الأمور وفق ما تقتضي رؤيته، وبما يتطابق مع خطّته في التقدم، تدريجياً، لتكريس تسيّده وهيمنته و"انتصاره". من قانون الإنتخاب إلى الحكومة وما بينهما من مبدأ "النأي بالنفس" أو مناقضته.

في هذه الأثناء، سقط إتفاق معراب، بعد تحلّل شروط استدامة المصلحة المتأتية منه. حقق التيار الوطني الحر ما يريده من تفاهم معراب، وخرج منه إلى غير رجعة. بينما تنّحى جعجع عن الإستراتيجيات (قسراً أو قصر نظر)، وغرق في حسابات النواب والوزراء وتعزيز حضور القوات مسيحياً وحسب. حساباته المستقبلية قائمة على تطوير إمكانية وصوله إلى رئاسة الجمهورية وتحسين فرصه فيها. وهذه أيضاً تقتضي الإستمرار في تنحية مواقفه الاستراتيجية، وتورية ثوابته السياسية، وتحييد نفسه عن أي صدام مباشر مع حزب الله، عكس ما كانت عليه الحال ما قبل "العهد الرئاسي" الحالي وما قبل الاتفاقات والتفاهمات. هذا ما يتجلى في الصمت المطبق الذي يخيم على معراب تعليقاً على ما يجري حكومياً، وما يحدث من قفز فوق صلاحيات الرئيس المكلف. كما يتجلى في الصمت حيال الأحداث الأخيرة التي وقعت (مقدمات حادثة الجاهلية وتبعاتها)، وكسبت قوى الثامن من آذار فيها جولة من المعركة المديدة في لبنان، وعليه. وكأن جعجع يحاذر في هذه المرحلة التورط في أي صراع مكشوف، كي لا يقلل هذا من حظوظه "الرئاسية" أو - حسب اعتقاد كثر- كي لا يصيبه ما أصاب الذين "قاوموا" واعترضوا فخسروا وتراجعوا، كما حدث في مفاوضات تشكيل الحكومة، أو كما شهدنا في "الجاهلية".

الانقلاب البرتقالي
الآن، هناك من يقرأ في احتمال الإنقلاب على تفاهم عون - الحريري أو التيارين الأزرق والبرتقالي. ويقول هؤلاء إن "التيار الوطني.." أصبح مستعداً للقفز فوق "المستقبل" والابتعاد عنه، بعد تحقيق كل ما أراد تحقيقه من جراء هذا التفاهم. رئاسة الجمهورية تحققت، النتائج المتوخاة من الإنتخابات النيابية تمّت. ومطامح الاستحواذ في الإدارة أُنجزت. لذا، ما من مانع أمام عون من الإنقلاب على الحريري، حتى لو لم يكن راغباً في ذلك، لكن المسارات كلها تقود إلى هذه النتيجة الوحيدة: سعد الحريري بات وحيداً.

ربما السبب الوحيد الذي يمنع التيار البرتقالي من الإنقلاب النهائي على الحريري، هو حسابات الوزير جبران باسيل الرئاسية، وما يربط بينه وبين الحريري من تفاهمات سرّية. لكن هذه التفاهمات والحسابات قد تكون قابلة للإستمرار لصالح باسيل، لا بشروط الحريري، بل بشروط الطرف الأقوى. بمعنى آخر، الحرص على إبقاء الحريري، لكن مع الاستمرار والإصرار على إضعافه أكثر، وإشغاله دوماً بدواخل بيئته السنية حصراً.

الخروج على الطائف
صحيح أن التسوية الرئاسية لم تتم من دون رضى حزب الله. وهي لا تستمر إلا بموافقة الحزب. لكن الشروط التي يضعها راهناً، تهدف إلى تطويق طرفيها، ضامناً إمساكه بمسار أي حركة أو استحقاق سياسي (إجرائي أو سيادي أو دستوري). يتخذ حزب الله كل الإجراءات السياسية، لتحصين نفسه بوجه ما يأتي من الخارج، خصوصاً أن الحزب لا يمتلك أي رؤية واضحة ولا يقيناً لما ستؤول إليه الأمور في المقبل من الأيام، دولياً وإقليمياً، وفق ما تشير بعض المعلومات. وهذه تقتضي السيطرة والتحكم والتلاعب بالتناقضات بين القوى الداخلية، التي تتسلل إلى تفاهماتها البينية الاختلالات والاختلافات والاعتراضات. التحكم والسيطرة تجعل كل تسوية أو تفاهم بين القوى المحلية بحاجة إلى عباءة حزب الله. عباءة ستكرّس أكثر فأكثر الخروج عن الطائف ومنه وعليه، علاوة عن تسجيل أكبر عدد من الأهداف في مرمى الجميع. إنه مسلسل الانتصارات المتتالية للحزب.

لا يسقط الحزب من حساباته أيضاً، إستمرار تلاعبه على التناقض بين عون والحريري، بل وتزكية الخلاف بينهما، القابل للتطور دوماً نحو القطيعة. وهذه الأخيرة إن لم تقع اليوم فستتحقق غداً، إلا إذا ارتضى الحريري استسلاماً كاملاً (أمنية جبران باسيل الأصلية).

حتى الآن هناك مظلّة توفر لسعد الحماية، أو بعض أسباب المناعة، وهي تجلّت بردود رؤساء الحكومة السابقين على بدع رئاسة الجمهورية. لكن المشكلة هي في شخصية الحريري نفسه، سمته كقليل العناد. المشكلة هي مدى قدرته على الصمود.


منير الربيع- المدن